سورة الانشقاق
مكية في قول الجميع بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا
قوله عز وجل : إذا السماء انشقت وهذا من ، قال أشراط الساعة رضي الله عنه : تنشق السماء من المجرة ، وفيه ثلاثة أوجه : علي
أحدها : أنه محذوف الجواب وتقديره : إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدم من خير وشر .
الثاني : أن جوابه كادح إلى ربك كدحا الثالث : معناه اذكر إذا السماء انشقت . وأذنت لربها وحقت معنى أذنت لربها أي سمعت لربها ، ومنه قول [ ص: 234 ]
النبي صلى الله عليه وسلم أي ما استمع الله لشيء ، وقال الشاعر ما أذن الله لشيء كإذانه لنبي يتغنى بالقرآن
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
اي سمعوا . وحقت فيه وجهان :
أحدهما : أطاعت ، قاله . الضحاك
الثاني : معناه حق لها أن تفعل ذلك ، قاله ، ومنه قول قتادة كثير
فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا وحقت لها العتبى لدينا وقلت .
ويحتمل وجها ثالثا : أنها جمعت ، مأخوذ من اجتماع الحق على نافيه وحكى أن " أذنت لربها وحقت " جواب القسم ، والواو زائدة . ابن الأنباري وإذا الأرض مدت فيها قولان :
أحدهما : أن البيت كان قبل الأرض بألفي عام ، فمدت الأرض من تحته ، قاله . ابن عمر
الثاني : أنها أرض القيامة ، قاله ، وهو أشبه بسياق الكلام . وفي مجاهد مدت وجهان :
أحدهما : سويت ، فدكت الجبال ويبست البحار ، قاله . السدي
الثاني : بسطت ، قاله ، وروى الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : علي بن الحسين
[ ص: 235 ]
(إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه) . وألقت ما فيها وتخلت فيه وجهان :
أحدهما : ألقت ما في بطنها من الموتى ، وتخلت عمن على ظهرها من الأحياء ، قاله . ابن جبير
الثاني : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها ، وهو معنى قول . ويحتمل ثالثا : هو أعم ، أنها ألقت ما استودعت ، وتخلت مما استحفظت لأن الله استودعها عباده أحياء وأمواتا ، واستحفظها بلاده مزارع وأقواتا . قتادة يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فيه قولان :
أحدهما : إنك ساع إلى ربك سعيا حتى تلاقي ربك ، قاله ، ومنه قول الشاعر يحيى بن سلام
ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب
اي أعمل للحياة . ويحتمل قولا ثالثا : أن الكادح هو الذي يكدح نفسه في الطلب إن تيسر أو تعسر . فأما من أوتي كتابه بيمينه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يعرض الناس ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وفي الثالثة تطير الكتب من الأيدي ، فبين آخذ كتابه بيمينه ، وبين آخذ كتابه بشماله) . فسوف يحاسب حسابا يسيرا وفي الحساب ثلاثة أقاويل : أحدها : يجازى على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات ، قاله . الحسن
الثاني : ما رواه عن صفوان بن سليم قالت : عائشة
الذي يحاسب حسابا يسيرا ، فقال : (يعرف عمله ثم يتجاوز عنه ، ولكن من نوقش الحساب فذلك هو الهالك) . سئل رسول الله عن [ ص: 236 ]
الثالث : أنه العرض ، روى عن ابن أبي مليكة رضي الله عنها : عائشة فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال : (ذلك العرض يا ، من نوقش في الحساب يهلك) عائشة . أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : وينقلب إلى أهله مسرورا قال : إلى أهله الذين قد أعدهم الله له في الجنة . ويحتمل وجها ثانيا : أن يريد أهله الذين كانوا له في الدنيا ليخبرهم بخلاصه وسلامته . قتادة إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ثم يثاب أو يعاقب ، يقال : حار يحور ، إذا رجع ، ومنه الحديث : ، يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة) ، وروي : (بعد الكون) ، ومعناه انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل (أعوذ بالله من الحور بعد الكور عن الحور بعد الكون فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول امرأ سوء . وقال معمر : الكنني : هو الذي يقول : كنت شابا وكنت شجاعا ، والكاني : هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب وكان لي خيل وكنت أركب ، وأصل الحور الرجوع ، قال ابن الأعرابي لبيد
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع .
وقال عكرمة : يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع وقيل [ ص: 237 ] وداود بن أبي هند
للقصار حواري لأن الثياب ترجع بعمله إلى البياض . بلى إن ربه كان به بصيرا يحتمل وجهين :
أحدهما : مشاهدا لما كان عليه .
الثاني : خبيرا بما يصير إليه .