ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
قوله تعالى : ما جعل الله لرجل من قلبين فيه ستة أقاويل :
أحدها : قاله أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه إن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله هذه تكذيبا لهم; ويكون معناه ما جعل الله لرجل من جسدين . ابن عباس
الثاني : أن رجلا من مشركي قريش من بني فهر قال : إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد وكذب فنزلت فيه ، قاله . ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من عقلين . مجاهد
الثالث : أن ويكنى جميل بن معمر أبا معمر من بني جمح كان أحفظ الناس لما يسمع وكان ذا فهم ودهاء فقالت قريش ما يحفظ ما يحفظ بقلب واحد إن له قلبين فلما كان يوم جميل بدر وهزموا أفلت وفي يديه إحدى نعليه والأخرى في رجليه فلقيه بشاطئ البحر فاستخبره فأخبره أن أبو سفيان قريشا قتلوا وسمى من قتل من [ ص: 371 ] أشرافهم ، قال له : إنه قد ذهب عقلك فما بال نعليك إحداهما في يدك والأخرى في رجلك؟ قال : ما كنت أظنها إلا في رجلي فظهر لهم حاله فنزلت فيه الآية ، قاله ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من فهمين . السدي
الرابع : أن رجلا كان يقول إن لي نفسين نفسا تأمرني ونفسا تنهاني فنزل ذلك فيه ، قاله ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من نفسين . الحسن
الخامس : أنه مثل ضربه الله حين تبناه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعتقه فلما نزل لزيد بن حارثة منع من ادعائه ولدا ونزل فيه تحريم التبني ما جعل الله لرجل من قلبين يقول : ما جعل الله لرجل من أبوين ، كذلك لا يكون لزيد أبوان حارثة ومحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . وفيه إثبات لمذهب مقاتل بن حيان في نفي الولد عن أبوين ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من أبوين . الشافعي
السادس : معناه : أنه لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من دينين ، حكاه . النقاش
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وهو أن ، فهذا ظهار كانوا في الجاهلية يحرمون به الزوجات ويجعلونهن في التحريم كالأمهات، فأبطل الله بذلك أن تصير محرمة كالأم لأنها ليست بأم وأوجب عليه بالظهار منها إذا صار فيه عامدا كفارة ذكرها في سورة المجادلة ومنعه من إصابتها حتى يكفر وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب . يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي
وما جعل أدعياءكم أبناءكم يعني بذلك أدعياء النبي . قال كان الرجل في الجاهلية يكون ذليلا فيأتي ذا القوة والشرف فيقول : أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابنا أصبح أعز أهله وكان مجاهد منهم قد تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كان يصنع أهل الجاهلية فلما جاءت هذه الآية أمرهم الله أن يلحقوهم بآبائهم فقال : زيد بن حارثة وما جعل أدعياءكم أبناءكم في الإسلام .
[ ص: 372 ] ذلكم قولكم بأفواهكم أن امرأته بالظهار أمه وأن دعيه بالتبني ابنه والله يقول الحق في أن الزوجة لا تصير في الظهار أما والدعي لا يصير بالتبني ابنا .
وهو يهدي السبيل يعني في إلحاق النسب بالأب ، وفي الزوجة أنها لا تصير كالأم .
قوله تعالى : ادعوهم لآبائهم يعني التبني : قال ما كنا ندعو عبد الله بن عمر إلا زيد بن حارثة إلى أن نزل قوله تعالى : زيد بن محمد ادعوهم لآبائهم قال فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السدي وعرف كل نسبه فأقروا به وأثبتوا نسبه . حارثة
هو أقسط عند الله أي أعدل عند الله قولا وحكما .
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم ومواليكم مثل عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد العزيز ، قاله . مقاتل بن حيان
الثاني : قولوا أخونا فلان وولينا فلان ، قاله . وروى يحيى بن سلام قال : جلس نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم محمد بن المنكدر فتفاخروا بالآباء فجعل كل واحد منهم يقول أنا فلان بن فلان حتى انتهوا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري فقال أنا سلمان ابن الإسلام فبلغ ذلك سلمان فقال: صدق عمر بن الخطاب وأنا سلمان بن الإسلام وذلك قوله : عمر فإخوانكم في الدين .
الثالث : إنه إن لم يعرف لهم أب ينسبون إليه كانوا إخوانا إن كانوا أحرارا ، وموالي إن كانوا عتقاء كما فعل المسلمون فيمن عرفوا نسبه وفيمن لم يعرفوه فإن كان يقال له المقداد بن عمرو المقداد بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، فرجع إلى أبيه وسفيان بن معمر كانت أمه امرأة معمر في الجاهلية فادعاه ابنا ثم أسلم سفيان وشهد بدرا فنسب إلى أبيه ونسبه في بني زريق من الأنصار . وممن لم يعرف له أب ونسب إلى ولاء سالم ، مولى أبي حذيفة أبي حذيفة .
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما أخطأتم قبل النهي وما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وغيره ، قاله . مجاهد
[ ص: 373 ] الثاني : ما أخطأتم به ما سهوتم عنه ، وما تعمدت قلوبكم ما قصدتموه عن عمد ، قاله . حبيب بن أبي ثابت
الثالث : ما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه ، قاله . قتادة
وكان الله غفورا رحيما أي غفورا عما كان في الشرك ، رحيما بقبول التوبة في الإسلام .