وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا
قوله تعالى : وهو الذي أرسل الرياح قال كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة ، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب . أبي بن كعب:
وقيل : لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح .
بشرا قرئت بالنون وبالباء فمن قرأ بالنون ففيه وجهان :
أحدهما : أنه نشر السحاب حتى يمطر .
الثاني : حياة لخلقه كحياتهم بالنشور . ومن قرأ بشرا بالباء ففيه وجهان :
أحدهما لأنها بشرى بالمطر .
الثاني : لأن الناس يستبشرون بها .
بين يدي رحمته يعني المطر لأنه رحمة من الله لخلقه ، وتأوله بعض أصحاب الخواطر يرسل رياح الندم بين يدي التوبة .
وأنزلنا من السماء ماء طهورا فيه تأويلان :
أحدهما : طاهرا ، قاله ولذلك جوز أبو حنيفة . إزالة النجاسات بالمائعات الطاهرات
الثاني : مطهرا ، قاله ولذلك لم يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء . الشافعي
لنحيي به بلدة ميتا وهي التي لا عمارة فيها ولا زرع ، وإحياؤها يكون بنبات زرعها وشجرها ، فكما أن الماء يطهر الأبدان من الأحداث والأنجاس ، كذلك الماء يطهر الأرض من القحط والجدب .
[ ص: 149 ] ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا فجمع بالماء حياة النبات والحيوان وفي الأناسي وجهان :
أحدهما : أنه جمع إنسي .
الثاني : جمع إنسان .
قوله تعالى : ولقد صرفناه بينهم فيه وجهان :
أحدهما : أنه الفرقان المذكور في أول السورة .
الثاني : أراد الماء الذي أنزله طهورا .
وفيه وجهان :
أحدهما : يعني قسمنا المطر فلا يدوم على مكان فيهلك ولا ينقطع عن مكان ، فيهلك ، وهو معنى قول . قتادة
الثاني : أنه يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ليس عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه بين عباده . ابن عباس
ليذكروا يحتمل وجهين :
أحدهما : ليتذكروا النعمة بنزوله .
الثاني : ليتذكروا النعمة بانقطاعه .
فأبى أكثر الناس إلا كفورا قال : هو قولهم مطرنا بالأنواء . عكرمة
روى قال : الربيع بن صبيح أمطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبح الناس فيها بين رجلين شاكر وكافر ، فأما الشاكر فيحمد الله على سقياه وغياثه وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا .
[ ص: 150 ]