قوله تعالى : وأنكحوا الأيامى منكم وهو جمع أيم ، وفي الأيم قولان :
أحدهما : أنها المتوفى عنها زوجها ، قاله محمد بن الحسن .
الثاني : أنها التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا وهو قول الجمهور . يقال رجل أيم إذا لم تكن له زوجة وامرأة أيم إذا لم يكن لها زوج . ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأيمة يعني العزبة قال الشاعر:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم
وروى القاسم قال : أمر بقتل الأيم يعني الحية .
وفي هذا الخطاب قولان :
أحدهما : أنه خطاب للأولياء أن ينكحوا آيامهم من أكفائهن إذا دعون إليه [ ص: 98 ] لأنه خطاب خرج مخرج الأمر الحتم فلذلك يوجه إلى الولي دون الزوج .
الثاني : أنه خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة .
واختلف في فذهب أهل الظاهر إليه تمسكا بظاهر الأمر ، وذهب جمهور الفقهاء إلى استحبابه للمحتاج من غير إيجاب وكراهته لغير المحتاج . ثم قال : وجوبه والصالحين من عبادكم وإمائكم فيه وجهان :
أحدهما : أن معنى الكلام وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من رجالكم وأنكحوا إماءكم .
الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمرنا بإنكاح الأيامى لاستحقاق السيد لولاية عبده وأمته، فإن دعت الأمة سيدها أن يتزوجها لم يلزمه لأنها فراش له ، وإن أراد تزويجها كان له خيرا وإن لم يختره ليكتسب رق ولدها ويسقط عنه نفقتها . وإن أراد السيد تزويج عبد أو طلب العبد ذلك من سيده فهل للداعي إليه أن يجبر الممتنع فيهما عليه أم لا؟ على قولين : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فيه وجهان :
أحدهما : إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح .
الثاني : إن يكونوا فقراء إلى المال يغنهم الله إما بقناعة الصالحين ، وإما باجتماع الرزقين ، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد العزيز بن أبي رواد اطلبوا الغنى في هذه الآية إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .
والله واسع عليم فيه وجهان :
أحدهما : واسع العطاء عليم بالمصلحة .
[ ص: 99 ] الثاني : واسع الرزق عليهم بالخلق .
قوله تعالى : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا أي وليعف ، والعفة في العرف الامتناع من كل فاحشة ، قال رؤبة : يعف عن أسرارها بعد الفسق .
يعني عن الزنى بها .
الذين لا يجدون نكاحا يعني لا يقدرون عليه مع الحاجة إليه لإعسار إما بصداق أو نفقة.
حتى يغنيهم الله من فضله يحتمل وجهين :
أحدهما: يغنيهم الله عنه بقلة الرغبة فيه .
الثاني : يغني بمال حلال يتزوجون به .
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا أما الكتاب المبتغى هنا فهو وكانا قبله مالكين للكسب ليؤدي في العتق ، فإن تراضى السيد والعبد عليها جاز ، وإن دعا السيد إليها لم يجبر العبد عليها . وإن دعا العبد إليها ففي إجبار السيد عليها إذ علم فيه خيرا مذهبان : كتابة العبد والأمة على مال إذا أدياه عتقا به
أحدهما : وهو قول ، عطاء ، يجب على السيد مكاتبته ويجبر إن أبى . وداود
الثاني : وهو قول مالك والشافعي وجمهور الفقهاء أنه يستحب له ولا يجبر عليه فإذا انعقدت الكتابة لزمت من جهة السيد وكان المكاتب فيها مخيرا بين المقام والفسخ . وأبي حنيفة
إن علمتم فيهم خيرا خمسة تأويلات :
أحدها : أن الخير : القدرة على الاحتراف والكسب ، قاله ابن عمر . وابن عباس
الثاني : أن الخير : المال ، قاله عطاء . ومجاهد
الثالث : أنه الدين والأمانة ، قاله . الحسن
[ ص: 100 ] الرابع : أنه الوفاء والصدق ، قاله قتادة . وطاوس
الخامس : أنه الكسب والأمانة ، قاله . الشافعي
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فيه قولان :
أحدهما : يعني من . ولا يكره للسيد أخذه وإن كان غنيا ، قاله مال الزكاة من سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد ، الحسن وإبراهيم . وابن زيد
الثاني : من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة .
واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب إلى أنه مستحب وليس بواجب ، وذهب أبو حنيفة إلى وجوبه وبه قال الشافعي عمر وعلي . وابن عباس
واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره؛ فحكي عن أنه قدره بالربع من مال الكتابة ، وذهب علي إلى أنه غير مقدر ، وبه قال الشافعي . ابن عباس
وإن امتنع السيد منه طوعا قضى الحاكم به عليه جبرا واجتهد رأيه في قدره ، وحكم به في تركته إن مات ، وحاص به الغرماء إن أفلس . والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول وأصحابه ، وإذا الشافعي كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقا ، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه . عجز عن أداء نجم عند محله
قال وسبب نزول قوله تعالى : الكلبي: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا الآية; أن عبدا اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع فأنزل الله ذلك فيه . حويطب
قوله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا الفتيات [ ص: 101 ] الإماء ، البغاء الزنى ، والتحصن التعفف ، ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففا أو لم ترد . وفي ذكر الإكراه هنا وجهان :
أحدهما : لأن الإكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف ، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه .
الثاني : أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطا فيه ، وهذا ما روى جابر بن عبد الله عبد الله بن أبي بن سلول كانت له أمة يقال لها مسيكة، وكان يكرهها على الزنى فزنت ببرد فأعطته إياه فقال : ارجعي فازني على آخر : فقالت : لا والله ما أنا براجعة، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية ، وكان مستفيضا من أفعال الجاهلين طلبا للولد والكسب . أن
لتبتغوا عرض الحياة الدنيا أي لتأخذوا أجورهن على الزنى .
ومن يكرهن يعني من السادة .
فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم يعني للأمة المكرهة دون السيد المكره .