قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فيه تأويلان :
أحدهما : يعني أنه إذا حدث نفسه ألقى الشيطان في نفسه ، قاله . الكلبي
الثاني : إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته ، قاله قتادة ، قال الشاعر ومجاهد
:
تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر
من رسول ولا نبي فيه قولان :
أحدهما : أن الرسول والنبي واحد، ولا فرق بين الرسول والنبي، وإنما [ ص: 35 ] جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر، والرسل تعم الملائكة والبشر .
والقول الثاني : أنهما مختلفان ، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي .
واختلف قائل هذا في على ثلاثة أقاويل : الفرق بين الرسول والنبي
أحدها : أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي ، والنبي يوحى إليه في نومه .
والثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أمة ، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة ، قاله قطرب .
والثالث : أن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي هو الذي يحفظ شريعة الله ، قاله . الجاحظ
فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يرفعه .
ثم يحكم الله آياته أي يثبتها ، واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهيا .
الثاني : أنه كان ناعسا فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه قاله . قتادة
الثالث : أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه . ابن عيسى
الرابع : إنما قال : هي كالغرانيق العلا - يعني الملائكة - وأن شفاعتهم لترتجى ، أي في قولكم ، قاله . الحسن
سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة النجم [ ص: 36 ] قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى [النجم : 19 - 20] ألقى الشيطان على لسانه (أولئك الغرانيق العلا . وأن شفاعتهن لترتجى، ثم ختم السورة وسجد . وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ، ورضي بذلك كفار قريش ، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة . فأنكر جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأه ، وشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته
قوله تعالى : ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة فيه وجهان : أولهما : محنة .
الثاني : اختبارا .
للذين في قلوبهم مرض أي نفاق .
والقاسية قلوبهم يعني المشركين .
وإن الظالمين لفي شقاق بعيد فيه وجهان :
أحدهما : لفي ضلال طويل ، قاله . السدي
الثاني : لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة ، قاله . يحيى بن سلام