قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إعادة للسؤال عن الحال والصفة لرد الجواب الأول بأنه غير مطابق، وأن السؤال باق على حاله، بل لطلب الكشف الزائد على ما حصل، وإظهار أنه لم يحصل البيان التام.
إن البقر تشابه علينا تعليل لقوله تعالى : (ادع) كما في قوله تعالى : وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وهو اعتذار لتكرير السؤال، أي إن البقر الموصوف بما ذكر كثير فاشتبه علينا، والتشابه مشهور في البقر، وفي الحديث أي يشبه بعضها بعضا، وقرأ (فتن كوجوه البقر)، يحيى وعكرمة والباقر: (إن الباقر)، وهو اسم لجماعة البقر، والبقر اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه (كنخل منقعر)، (والنخل باسقات)، وجمعه أباقر، ويقال فيه : بيقور وجمعه بواقر، وفي البحر إنما سمي هذا الحيوان بذلك لأنه يبقر الأرض أي يشقها للحرث، وقرأ (تشابه) بضم الهاء جعله مضارعا محذوف التاء وماضيه تشابه، وفيه ضمير يعود على البقر، على أنه مؤنث، والأعرج كذلك، إلا أنه شدد الشين، والأصل تتشابه، فأدغم، وقرئ (تشبه) بتشديد الشين على صيغة المؤنث من المضارع المعلوم، (ويشبه) بالياء والتشديد على صيغة المضارع المعلوم أيضا، الحسن (يشابه) بالياء والتشديد جعله مضارعا من تفاعل، لكنه أدغم التاء في الشين، وقرئ: (مشتبه)، (ومتشبه)، (ويتشابه)، وابن مسعود (متشابه، ومتشابهة)، وقرئ (تشابهت) بالتخفيف، وفي مصحف أبي بالتشديد، واستشكل بأن التاء لا تدغم إلا في المضارع، وليس في زنة الأفعال فعل ماض على تفاعل بتشديد الفاء، ووجه بأن أصله: [ ص: 290 ] إن البقرة تشابهت، فالتاء الأولى من البقرة، والثانية من الفعل، فلما اجتمع مثلان أدغم، نحو: الشجرة تمايلت، إلا أن جعل التشابه في بقرة ركيك، والأهون القول بعدم ثبوت هذه القراءة، فإن دون تصحيحها على وجه وجيه خرط القتاد، ويشكل أيضا (تشابه) من غير تأنيث، لأنه كان يجب ثبوت علامته، إلا أن يقال : إنه على حد قوله: والأعمش
ولا أرض أبقل إبقالها
وابن كيسان يجوزه في السعة، وإنا إن شاء الله لمهتدون أي إلى عين البقرة المأمور بذبحها، أو لما خفي من أمر القاتل، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا، وقد أخرج ، عن ابن جرير مرفوعا معضلا، ابن عباس وسعيد عن مرفوعا مرسلا، عكرمة عن وابن أبي حاتم مرفوعا موصولا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال : أبي هريرة (لو لم يستثنوا لما تبينت لهم آخر الأبد)، واحتج بالآية على أن الحوادث بإرادة الله تعالى، حيث علق فيما حكاه وجود الاهتداء الذي هو من جملة الحوادث بتعلق المشيئة، وهي نفس الإرادة، وما قصه الله تعالى في كتابه من غير نكير فهو حجة على ما عرف في محله، وهذا مبني على القول بترادف المشيئة والإرادة، وفيه خلاف، وأن كون ما ذكر بالإرادة مستلزم لكون جميع الحوادث بها، وفيه نظر، واحتج أيضا بها على أن الأمر قد ينفعك عن الإرادة، وليس هو الإرادة كما يقوله المعتزلة ، لأنه تعالى لما أمرهم بالذبح فقد أراد اهتداءهم في هذه الواقعة، فلا يكون لقوله : إن شاء الله، الدال على الشك، وعدم تحقق الاهتداء فائدة بخلاف ما إذا قلنا : إنه تعالى قد يأمر بما لا يريد، والقول بأنه يجوز أن يكون أولئك معتقدين على خلاف الواقع للانفكاك، أو يكون مبنيا على ترددهم في كون الأمر منه تعالى يدفعه التقرير، إلا أنه يرد أن الاحتجاج إنما يتم لو كان معنى (لمهتدون) الاهتداء إلى المراد بالأمر، أما لو كان المراد إن شاء الله اهتداءنا في أمر ما لكنا مهتدين فلا، إلا أنه خلاف الظاهر، كالقول بأن اللازم أن يكون المأمور به، وهو الذبح مرادا، ولا يلزمه الاهتداء، إذ يجوز أن يكون لتلك الإرادة حكمة أخرى، بل هذا أبعد بعيد، والمعتزلة والكرامية يحتجون بالآية على حدوث إرادته تعالى بناء على أنها والمشيئة سواء، لأن كلمة (إن) دالة على حصول الشرط في الاستقبال، وقد تعلق الاهتداء الحادث بها، ويجاب بأن التعليق باعتبار التعلق، فاللازم حدوث التعلق، ولا يلزمه حدوث نفس الصفة، وتوسط الشرط بين اسم إن وخبرها لتتوافق رؤوس الآي، وجاء خبر إن اسما لأنه أدل على الثبوت، وعلى أن الهداية حاصلة لهم، وللاعتناء بذلك أكد الكلام.