قل أرأيتكم أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبكتهم ويلقمهم الحجر بما لا سبيل لهم إلى إنكاره، والتاء على ما قاله ضمير الفاعل وما بعده حرف خطاب جيء به للتأكيد وليس اسما لأنه لو كان كذلك لكان إما مجرورا ولا جار هنا أو مرفوعا وليس من ضمائر الرفع، ولا مقتضى له أيضا أو منصوبا وهو باطل لثلاثة أوجه، الأول أن هذا الفعل قلبي بمعنى علم يتعدى إلى مفعولين كقولك : أرأيت زيدا ما فعل، فلو جعل المذكور مفعولا لكان ثالثا أبو البقاء
والثاني أنه لو جعل مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى، وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ولذلك قلت : أرأيتك زيدا وزيد غير المخاطب ولا هو بدل منه، والثالث أنه لو جعل كذلك لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء فكنت تقول : أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرأيتكن وهذا مذهب البصريين، والمفعولان في هذه الآية قيل : الأول منهما محذوف تقديره أرأيتكم إياه أو إياها أي العذاب أو الساعة الواقعين في قوله سبحانه : إن أتاكم عذاب الله أي الدنيوي حسبما أتى من قبلكم أو أتتكم الساعة أي هولها كما يدل عليه ما بعد لأن الكلام من باب التنازع حيث تنازع رأي وأتى في معمول واحد هو عذاب الله والساعة فأعمل الثاني وأضمر في الأول، والثاني منهما جملة الاستفهام وهي قوله تعالى: أغير الله تدعون والرابط لها بالمفعول الأول محذوف أي أغير الله تدعون لكشف ذلك، وقيل : لا تنازع والتقدير أرأيتكم عبادتكم للأصنام أو الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم، وقيل : إن الجملة الاستفهامية سادة مسد المفعولين
وذهب تبعا لغيره أن (رأى) هنا بصرية وقيل : قلبية بمعنى عرف وهي على القولين متعدية لواحد، وأصل اللفظ الاستفهام عن العلم أو العرفان أو الإبصار إلا أنه تجوز به عن معنى أخبرني ولا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة لشيء، وفيه على ما قال الرضي الكرماني وغيره تجوزان إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأن الرؤية بأي معنى كانت سبب له، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب، وقول بعضهم : إن الاستفهام للتعجيب لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني لما قيل أنه بالنظر إلى أصل الكلام، ونقل عن أبي حيان أن قال : إن الأخفش العرب أخرجت هذا اللفظ عن معناه بالكلية فقالوا : أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة الثانية إذا كان بمعنى أخبرت وإذا كان بمعنى أبصرت لم تحذف همزته وألزمته أيضا الخطاب على هذا المعنى [ ص: 149 ] فلا تقول أبدا أراني زيد عمرا ما صنع هذا على معنى أعلم، وأخرجته عن موضوعه بالكلية لمعنى إما بدليل دخول الفاء بعده كقوله تعالى : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة الآية فما دخلت الفاء إلا وقد خرجت لمعنى أما، والمعنى أما إذا أوينا إلى الصخرة فالأمر كذا وكذا، وقد أخرجته أيضا إلى معنى أخبرني كما قدمنا وإذا كان بهذا المعنى فلا بد بعده من اسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة بعد الاستفهام وقد يخرج لهذا المعنى وبعده الشرط وظرف الزمان اهـ، ولم يوافق في جميع ذلك
وذهب شيخ أهل الكوفة إلى أن التاء ضمير الفاعل وأداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول، وذهب الفراء إلى أن التاء حرف خطاب واللواحق بعده في موضع الرفع على الفاعلية وهي ضمائر نصب استعملت استعمال ضمائر الرفع، والكلام على ذلك مبسوط في محله، والمختار عند كثير من المحققين ما ذهب إليه البصريون من جعل (كم) هنا، وكذا سائر اللواحق حرف خطاب ومتعلق الاستخبار عندهم ومحط التبكيت قوله تعالى الكسائي أغير الله إلخ، وقوله سبحانه : إن كنتم صادقين
4
- متعلق بأريتكم مؤكد للتبكيت كاشف عن كذبهم، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه، والتقدير على ما قيل: إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهة أو أن عبادتكم لها نافعة أو إن كنتم قوما من شأنكم الصدق فأخبروني أألها غير الله تعالى تدعون إن أتاكم عذاب الله إلخ، فإن صدقهم من موجبات إخبارهم بدعائهم غيره سبحانه
وقيل : إن الجواب ما يدل عليه قوله تعالى : أغير الله تدعون أي فادعوه على أن الضمير لغير الله واعترض بأنه يخل بجزالة النظم الكريم كيف لا والمطلوب منهم إنما هو الإخبار بدعائهم غيره جل شأنه عند إتيان ما يأتي نفس دعائهم إياه، وجوز آخرون كون متعلق الاستخبار محذوفا تقديره أخبروني إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون وجعلوا قوله سبحانه : أغير الله إلخ، استئنافا للتبكيت على معنى أتخصون آلهتكم بالدعوة كما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله تعالى دونها، وعليه فتقديم المفعول للتخصيص
وبعضهم جعل تقديمه لأن الإنكار متعلق به وأنكر تعلقه بالتخصيص، نعم التقديم في قوله تعالى: