كما انتفض السلوات من بلل القطر
وقال السلوى واحدة وجمعها سلاوى، وعند الكسائي: الجمع والواحد بلفظ واحد، وقيل : جمع لا واحد له من لفظه، وهو طائر يشبه السمانى أو هو السمانى بعينها، وكانت تأتيهم من جهة السماء بكرة وعشيا، أو متى أحبوا، فيختارون منها السمين ويتركون منها الهزيل، وقيل : إن ريح الجنوب تسوقها إليهم، فيختارون منها حاجتهم، ويذهب الباقي، وفي رواية: (كانت تنزل عليهم مطبوخة ومشوية)، وسبحان من يقول للشيء كن فيكون، وذكر الأخفش السدوسي أن السلوى هو العسل بلغة كنانة، ويؤيده قول الهذلي :
وقاسمتها بالله جهرا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها
وقول (إنه غلط) غلط، واشتقاقها من السلوة لأنها لطيبها تسلي عن غيرها، وعطفها على بعض وجوه المن من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنه، ابن عطية: كلوا من طيبات ما رزقناكم أمر إباحة على إرادة القول، أي وقلنا، أو قائلين، والطيبات المستلذات، وذكرها للمنة عليهم، أو الحلالات، فهو للنهي عن الادخار، (ومن) للتبعيض، وأبعد من جعلها للجنس أو للبدل، ومثله من زعم أن هذا على حذف مضاف، أي من عوض طيبات قائلا: إن الله سبحانه عوضهم عن جميع مآكلهم المستلذة من قبل بالمن والسلوى، فكانا بدلا من الطيبات، (وما) موصولة، والعائد محذوف، أي رزقناكموه، أو مصدرية، والمصدر بمعنى المفعول، واستنبط بعضهم من الآية أنه لا يكفي وضع المالك الطعام بين يدي الإنسان في إباحة الأكل، بل لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن المالك، وهو أحد أقوال في المسألة، وما ظلمونا عطف على محذوف (فعصوا)، ولم يقابلوا النعم بالشكر، أو فظلموا بأن كفروا هذه النعم، وما ظلمونا بذلك، ويجوز كما في البحر أن يقدر محذوف لأنه قد صدر منهم ارتكاب قبائح من اتخاذ العجل إلها، وسؤال رؤيته تعالى ظلما، وغير ذلك، فجاء قوله تعالى : وما ظلمونا بجملة منفية تدل على أن ما وقع منهم من تلك القبائح لم يصل إلينا منها نقص ولا ضرر، وفي هذا دليل على أنه ليس من شرط نفي الشيء عن الشيء إمكان وقوعه، لأن ظلم الإنسان لله تعالى لا يمكن وقوعه البتة، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالكفران، أو بما فعلوا إذ لا يتخطاهم ضرره، وتقديم المفعول للدلالة على القصر الذي يقتضيه النفي السابق، وفيه ضرب تهكم بهم، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على تماديهم في الظلم، واستمرارهم عليه، وفي ذكر أنفسهم بجمع القلة تحقير لهم، وتقليل، والنفس العاصية أقل من كل قليل،