وقال : فائدة الإعادة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره، والأول أولى. النيسابوري
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم أي: حلال، والمراد بالموصول اليهود والنصارى ، حتى نصارى العرب عندنا، وروي عن - كرم الله تعالى وجهه - أنه استثنى نصارى علي بني تغلب ، وقال: «ليسوا على النصرانية، ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر » وإلى ذلك ذهب ، وحكاه ابن جبير الربيع عن - رضي الله تعالى عنه - والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة، كما روي عن الشافعي ، ابن عباس وأبي الدرداء، وإبراهيم ، ، وقتادة ، والسدي والضحاك، - رضوان الله عليهم أجمعين - وبه قال ومجاهد الجبائي والبلخي ، وغيرهم.
[ ص: 65 ] وفي عن البخاري - رضي الله تعالى عنهما - أن المراد به الذبائح؛ لأن غيرها لم يختلف في حله، وعليه أكثر المفسرين، وقيل: إنه مختص بالحبوب، وما لا يحتاج فيه إلى التذكية، وهو المروي عند ابن عباس الإمامية ، عن أبي عبد الله - رضي الله تعالى عنه - وبه قال جماعة من الزيدية ، فلا تحل ذبائحهم عند هؤلاء، وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عند الإمام الأعظم - رضي الله تعالى عنه - وقال صاحباه: الصائبة صنفان: صنف يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرءون كتابا يعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب.
وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم؛ لما روى ، عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، من طريق والبيهقي الحسن بن محمد بن علي قال: « هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل، ومن أصر ضربت عليهم الجزية غير ناكحي نسائهم » وهو وإن كان مرسلا وفي إسناده كتب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلى مجوس قيس بن الربيع وهو ضعيف إلا أن إجماع أكثر المسلمين - كما قال - عليه يؤكده. البيهقي
واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم غير الله تعالى كعزير وعيسى - عليهما السلام - فقال - رضي الله تعالى عنهما -: لا تحل، وهو قول ابن عمر ربيعة ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تحل، وهو قول الشعبي ، قالا: فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وعطاء
وقال : إذا الحسن وأنت تسمع فلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله تعالى لك. ذبح اليهودي والنصراني فذكر اسم غير الله تعالى
وطعامكم حل لهم قال وكثير من المتأخرين: إن هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى: لا جناح عليكم أيها المؤمنون أن تطعموا أهل الكتاب من طعامكم، فلا تصلح الآية دليلا لمن يرى أن الزجاج لأن التحليل حكم، وقد علقه سبحانه بهم فيها كما علق الحكم بالمؤمنين، واعترض على ظاهره بأنه إنما يتأتى لو كان الإطعام بدل الطعام، فإن زعموا أن الطعام يقوم مقام الإطعام توسعا ورد الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ وهو ممتنع، فقد صرحوا بأنه لا يجوز: إطعام زيد حسن للمساكين، وضربك شديد زيدا، فكيف جاز: ( وطعامكم حل لهم ) وعن بعضهم، فإن قيل: ما الحكمة في هذه الجملة وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا؟ أجيب بأن المعنى: انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه، ولا تنظروا إلى ما كان محرما عليهم، فإن لحوم الإبل ونحوها كانت محرمة عليهم، ثم نسخ ذلك في شريعتنا، فالآية بيان لنا لا لهم، أي اعلموا أن ما كان محرما عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لكم أيضا، ولذلك لو أطعمونا خنزيرا أو نحوه وقالوا: هو حلال في شريعتنا وقد أباح الله تعالى لكم طعامنا كذبناهم، وقلنا: إن الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره. الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛
فحاصل المعنى: طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول وغيره، فافهمه، فقد أشكل على بعض المعاصرين. السدي
والمحصنات من المؤمنات عطف على ( الطيبات ) أو مبتدأ والخبر محذوف لدلالة ما تقدم عليه، أي: حل لكم أيضا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من ( المحصنات ) أو من الضمير فيها على ما قاله ، والمراد بهن عند أبو البقاء الحسن والشعبي وإبراهيم العفائف، وعند الحرائر، واختاره مجاهد ، وعند جماعة العفائف والحرائر، وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو أولى لا لنفي ما عداهن؛ فإن نكاح الإماء المسلمات بشرطه صحيح بالاتفاق، وكذا نكاح غير العفائف منهن، وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند الإمام الأعظم، رضي الله تعالى عنه . أبو علي
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ ص: 66 ] وإن كن حربيات، كما هو الظاهر.
وقال - رضي الله تعالى عنهما -: لا يجوز ابن عباس وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله تعالى: نكاح الحربيات، لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله والنكاح مقتض للمودة لقوله تعالى: خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة قال الجصاص: وهذا عندنا إنما يدل على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب، وذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابيات؛ لقوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولقوله سبحانه: ولا تمسكوا بعصم الكوافر وأولوا هذه الآية بأن المراد من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن، والمراد من المحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات، وذلك أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر، فبين الله تعالى أنه لا حرج في ذلك.
وإلى تفسير المحصنات بمن أسلمن ذهب - رضي الله تعالى عنهما – أيضا، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، ويأباه النظم، ولذلك زعم بعضهم أن المراد هو الظاهر، إلا أن الحل مخصوص بنكاح المتعة وملك اليمين، ووطؤهن حلال بكلا الوجهين عند ابن عمر الشيعة، وأنت تعلم أن هذا أدهى وأمر، ولذلك هرب بعضهم إلى دعوى أن الآية منسوخة بالآيتين المتقدمتين آنفا؛ احتجاجا بما رواه الجارود، عن - رضي الله تعالى عنه - في ذلك، ولا يصح ذلك من طريق أهل السنة، نعم، أخرج أبي جعفر ، عن ابن جرير - رضي الله تعالى عنهما - قال: « ابن عباس ». نهى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الإسلام
وأخرج ، عبد الرزاق ، عن وابن المنذر أنه سئل عن جابر بن عبد الله فقال: «تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا، فلما رجعنا طلقناهن ». نكاح المسلم اليهودية والنصرانية
وأخرج ، عن ابن جرير أنه سئل: «أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ما له ولأهل الكتاب؟! وقد أكثر الله تعالى المسلمات، فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حصانا غير مسافحة، قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته ». الحسن
إذا آتيتموهن أجورهن أي: مهورهن، وهي عوض الاستمتاع بهن، كما قاله - رضي الله تعالى عنهما – وغيره، وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها للاحتراز، ويجوز أن يراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازا، ولعله أقرب من الأول، وإن كان المآل واحدا، و( إذا ) ظرف لـ( حل ) المحذوف، ويحتمل أن تكون شرطية حذف جوابها، أي: إذا آتيتموهن أجورهن حللن لكم. ابن عباس
محصنين أي: أعفاء بالنكاح، وهو منصوب على الحال من فاعل ( آتيتموهن ) وكذا قوله تعالى: ( غير مسافحين ) وقيل: هو حال من ضمير ( محصنين ) وقيل: صفة لـ( محصنين ) أي: غير مجاهرين بالزنا.
ولا متخذي أخدان أي: ولا مسرين به، والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى، وقيل: الأول نهي عن الزنا، والثاني نهي عن مخالطتهن و( متخذي ) يحتمل أن يكون مجرورا عطفا على ( مسافحين ) وزيدت ( لا ) لتأكيد النفي المستفاد من ( غير ) ويحتمل أن يكون منصوبا عطفا على ( غير مسافحين ) باعتبار أوجهه الثلاثة.
ومن يكفر بالإيمان أي: من ينكر المؤمن به، وهو شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين هنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة، ويمتنع عن قبولها فقد حبط عمله أي الذي عمله، واعتقد أنه قربة له إلى الله تعالى.
[ ص: 67 ] وهو في الآخرة من الخاسرين أي الهالكين، والآية تذييل لقوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات إلخ، تعظيما لشأن ما أحله الله تعالى وما حرمه، وتغليظا على من خالف ذلك، فحمل الإيمان على المعنى المصدري، وتقدير مضاف - كما قيل - أي: بموجب الإيمان، وهو الله تعالى ليس بشيء، وإن أشعر به كلام ، وضمير الرافع مبتدأ، و( من الخاسرين ) خبره، و( في ) متعلقة بما تعلق به الخبر من السكون المطلق، وقيل: بمحذوف دل عليه المذكور أي: خاسرين في الآخرة، وقيل بالخاسرين على أن ( أل ) معرفة لا موصولة؛ لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وقيل: يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره كما في قوله: مجاهد
ربيته حتى إذا ما تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا