فما أدري أغيرهم تناء وطول العهد أو مال أصابوا
يريد أصابوه، وقد يجوز على رأي الكوفيين أن لا تكون الجملة صفة بل مضاف إليها (يوم) محذوف لدلالة ما قبله عليه، فلا تحتاج إلى ضمير، ويكون ذلك المحذوف بدلا من المذكور، ومن ذلك ما حكاه أطعمونا لحما سمينا شاة ذبحوها، بجر شاة، على تقدير لحم شاة، وحكى الكسائي: مثل ذلك، ومنه قوله : الفراءرحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل الشفاعة كما في البحر ضم غيره إلى وسيلته، وهي من الشفع ضد الوتر، لأن الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصير شفعا بعد أن كان فردا، والعدل الفدية، قاله رضي الله تعالى عنهما، وروي عنه أيضا البدل، أي رجل مكان رجل، وأصل العدل بفتح العين ما يساوي الشيء قيمة وقدرا، وإن لم يكن من جنسه، وبكسرها المساوي في الجنس والجرم، ومن ابن عباس العرب من يكسر العين من معنى الفدية، وذكر أن عدل الشيء بالفتح والكسر مثله، وأنشد قول الواحدي : كعب بن مالك
صبرنا لا نرى لله عدلا على ما نابنا متوكلينا
ولا هم ينصرون النصر في الأصل المعونة، ومنه أرض منصورة ممدودة بالمطر، والمراد به هنا ما يكون بدفع الضرر، أي ولا هم يمنعون من عذاب الله عز وجل، والضمير راجع إما إلى ما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفي من النفوس الكثيرة، فيكون من قبيل ما تقدم ذكره معنى بدلالة لفظ آخر، وإما إلى النفس المنكرة من حيث كونها لعمومها بالنفي في معنى الكثرة كما قيل في قوله تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين وأتى به مذكرا لتأويل النفوس بالعباد والأناسي، وفيه تنبيه على أن تلك النفوس عبيد مقهورون مذللون تحت سلطانه تعالى، وأنهم ناس كسائر الناس في هذا الأمر، وعوده إلى النفسين بناء على أن التثنية جمع ليس بشيء، وجعل النفي منسحبا على جملة اسمية للتقوى، ورفع (هم) على الابتداء، والجملة بعده خبره، وجعله مفعولا لما لم يسم فاعله، والفعل بعده مفسر، فتوافق الجمل لا أوافق على اختياره، وإن ذهب إليه بعض الأجلة، وتمسك المعتزلة بعموم الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، وكون الخطاب للكفار، والآية نازلة فيهم، لا يدفع العموم المستفاد من اللفظ، وأجيب بالتخصيص من وجهين، الأول بحسب المكان والزمان، فإن مواقف القيامة ومقدار زمانها فيها سعة وطول، ولعل هذه الحالة في ابتداء وقوعها وشدته، ثم يأذن بالشفاعة، وقد قيل مثل ذلك في الجمع بين قوله تعالى : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقوله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وكون مقام الوعيد يأبى عنه غير مسلم، والثاني بحسب الأشخاص إذ لا بد لهم من التخصيص في غير العصاة لمزيد الدرجات، فليس العام باقيا على عمومه عندهم، وإلا اقتضى نفي زيادة المنافع، وهم لا يقولون به، ونحن نخصص في العصاة بالأحاديث الصحيحة البالغة حد التواتر، وحيث فتح باب التخصيص نقول أيضا: ذلك النفي مخصص بما قبل الإذن لقوله تعالى : ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن وهو تخصيص له دليل، وتخصيصهم لا يظهر له دليل، على أن الشفاعة بزيادة المنافع يكاد أن لا تكون شفاعة، وإلا لكنا شفعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصلاة عليه، مع أن الإجماع وقع منا، ومنهم على أنه هو الشفيع، وأيضا في قوله تعالى : واستغفر لذنبك وللمؤمنين ما يشير إلى الشفاعة التي ندعيها، ويحث على التخصيص الذي نذهب إليه، رزقنا الله تعالى الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة،