من كان يريد ثواب الدنيا كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة والمنافع الدنيوية فعند الله ثواب الدنيا والآخرة جزاء الشرط بتقدير الإعلام والإخبار، أي: (من كان يريد ثواب الدنيا) فأعلمه وأخبره أن عند الله تعالى ثواب الدارين فما له لا يطلب ذلك كمن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة أو يطلب الأشرف وهو ثواب الآخرة، فإن من جاهد مثلا خالصا لوجه الله تعالى لم تخطه المنافع الدنيوية، وله في الآخرة ما هي في جنبه كلا شيء.
وفي مسند عن أحمد، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: زيد بن ثابت، «من كان همه الآخرة جمع الله تعالى شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته [ ص: 167 ] الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فرق الله تعالى عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له».
وجوز أن يقدر الجزاء من جنس الخسران فيقال: من كان يريد ثواب الدنيا فقط فقد حسر وهلك، فعند الله تعالى ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده.
وفي صحيح عن مسلم، - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أبي هريرة
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله تعالى عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار». «أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل: ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
وقيل: إنه الجزاء إلا أنه مؤول بما يجعله مرتبا على الشرط؛ لأن مآله أنه ملوم موبخ لتركه الأهم الأعلى الجامع لما أراده مع زيادة، لكن من يشترط العائد في الجزاء يقدره كما أشرنا إليه.
وقيل: المراد أنه تعالى عنده ثواب الدارين، فيعطي كلا ما يريده، كقوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه الآية.
وكان الله سميعا بصيرا تذييل لمعنى التوبيخ، أي: كيف يرائي المرائي، وأن الله تعالى (سميع) بما يهجس في خاطره وما تأمر به دواعيه، (بصير) بأحواله كلها ظاهرها وباطنها، فيجازيه على ذلك، وقد يقال: ذيل بذلك لأن إرادة الثواب إما بالدعاء وإما بالسعي، والأول مسموع، والثاني مبصر، وقيل: السمع والبصر عبارتان عن اطلاعه تعالى على غرض المريد للدنيا أو الآخرة، وهو عبارة عن الجزاء، ولا يخفى أنه – وإن كان لا يخلو عن حسن - إلا أنه يوهم إرجاع صفة السمع والبصر إلى العلم، وهو خلاف المقرر في الكلام.