فإنه تقرير لها بعد إبهامها والإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل. وذكر أن إطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها، فقد روي أن أهل النار تهوي فيها سبعين خريفا وخصها بعضهم بالباب الأسفل من النار وعبر عن المأوى بالأم على التشبيه بها فالأم مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به. وقيل: شبه النار بالأم في أنها تحيط به إحاطة رحم الولد بالأم. وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة وغيرهم: المعنى فأم رأسه هاوية في قعر جهنم؛ لأنه يطرح فيها منكوسا. وفي رواية أخرى عن والكلبي هو من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة: قتادة
هوت أمه؛ لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي:
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا وماذا يرد الليل حين يؤوب
وفي الكشف أن هذا أحسن ليطابق قوله سبحانه: في عيشة راضية وما فيه من المبالغة. وقال الطيبي: إنه الأظهر وللبحث فيه مجال. والضمير أعني هي عليه للداهية التي دل عليها الكلام، وعلى ما قدمنا ل «هاوية». وعلى الوجه الثاني لما يشعر به الكلام كأنه قيل: فأم رأسه هاوية في نار وما أدراك ماهيه إلخ.والهاء الملحقة في هيه هاء السكت، وحذفها في الوصل ابن أبي إسحاق والأعمش وأثبتها الجمهور. ورفع وحمزة، نار على أنها خبر [ ص: 223 ] مبتدأ محذوف أي: هي نار. و «حامية» نعت لها وهو من الحمى اشتداد الحر قال في القاموس: حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرهما. وجعله بعضهم على ما قيل من حميت القدر فهي محمية، ففسره بذات حمى، وهو كما ترى.
وقرأ «فإمه» بكسر الهمزة، قال طلحة: ابن خالويه وحكى ابن دريد أنها لغة، وأما النحويون فيقولون: لا يجوز كسر الهمزة إلا أن يتقدمها كسرة أو ياء. والله تعالى أعلم.