بأني قد لقيت الغول يهوي بشهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فأضربه فخرت
صريعا لليدين وللجران
وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي أن الخيل وصفت بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين، ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسببا عنه وسيأتي الكلام فيها قريبا إن شاء الله تعالى، وضمير «به» للصبح، والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت نقعا أي: غبارا، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه لا يثور أو لا يظهر ثورانه بالليل، وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل. وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيرا ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة:
عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
وقال النقع رفع الصوت ومنه قول أبو عبيدة: لبيد:
فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوه ذات جرس وزجل
وقول رضي الله تعالى عنه وقد قيل له يوم توفي عمر إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد: خالد: ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة.
والمعنى عليه فهيجن في ذلك الوقت صياحا وهو صياح من هجم عليه وأوقع به. والمشهور المعنى الأول، وجوز كون ضمير «به» للعدو الدال عليه «العاديات» أو للإغارة الدال عليها «المغيرات» والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضا والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف.