وقوله تعالى: كذبت ثمود بطغواها استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى: وقد خاب من دساها وجعل قوله تعالى: الزمخشري قد أفلح إلخ تابعا لقوله تعالى: فألهمها إلخ على سبيل الاستطراد وأبى أن يكون جواب القسم، وجعل الجواب محذوفا مدلولا عليه بهذا كأنه قيل: ليدمدمن الله تعالى على كفار مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليه السلام، فقيل: إن ذلك لما يلزم من حذف اللام وأنه لا يليق بالنظم المعجز أن يجعل أدنى الكمالين أعني التزكية لاختصاصها بالقوة العملية المقصودة بالإقسام ويعرض عن أعلاهما أعني التحلية بالعقائد اليقينية التي هي لب الألباب وزبدة ما مخضته الأحقاب، ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين، وأما حذف المقسم عليه فكثير شائع لا سيما في الكتاب العزيز. وتعقب بأن حذف اللام كثير لا سيما مع الطول وهو أسهل من حذف الجملة بتمامها وقد ذكره في: قد أفلح المؤمنون فما حدا مما بدا، وأن التزكية مرادا بها الإنماء لا اختصاص لها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانا لتوقف المقاصد عليها. فتدبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وابن أبي حاتم أنه قال في سعيد بن جبير فألهمها ألزمها، وأخرجه عن الديلمي مرفوعا. أنس
وعلى ذلك قال وصاحب المطلع: الإلهام أن يوقع في القلب التوفيق والخذلان، فإذا أوقع سبحانه في قلب عبد شيئا منهما فقد ألزمه سبحانه ذلك الشيء ويزيد ذلك قوة ما أخرجه الواحدي البخاري ومسلم عن وأبو داود عمران بن حصين مزينة أتيا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ». أن رجلين من
ولا يقتضي ذلك أن لا يكون لقدرة العبد واختياره مدخل في الفجور والتقوى بالكلية وإن قيل: إن مآله إلى خلق الله تعالى إياهما ليقال: يأباه حينئذ قوله تعالى: قد أفلح من زكاها إلخ حيث جعل فيه العبد فاعل التزكية بالتقوى والتدسية بالفجور لأن الإسناد يقتضي قيام المسند ويكفي فيه المدخلية المذكورة ولا يتوقف صحة الإسناد حقيقة إلى العبد على كون فعله الإيجاد فالاستدلال بهذا الإسناد على كونه متمكنا من اختيار ما شاء من الفجور والتقوى وإيجاده إياه بقدرة مستقلة فيه على خلاف ما يقوله الجماعة ليس بشيء، على أن الضمير المستتر في زكاها وكذا في دساها لله عز وجل، والبارز ل «من» بتأويل النفس. فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم أنه قال في ذلك يقول الله تعالى: قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه فهداه، وقد خاب من دسى الله تعالى نفسه فأضله. ابن عباس
بل أخرج عنه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه أنه قال: والديلمي سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في قوله تعالى: قد أفلح من زكاها الآية: «أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس خيبها الله من كل خير».
وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم عن والنسائي قال: زيد بن أرقم كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
وفي رواية وغيره عن الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام إذا تلا هذه الآية وقف وقال ذلك. ابن عباس
ولهذه الأخبار ونحوها قال بعضهم: إن ذلك هو [ ص: 145 ] المرجح، ورجحه صاحب الانتصاف بأن الضمائر في والسماء وما بناها إلخ تكون عليه متسقة عائدة كلها إلى الله تعالى وبأن قوله تعالى: قد أفلح من تزكى أوفق به لأن تزكى مطاوع زكى فيكون المعنى: قد أفلح من زكاه الله تعالى فتزكى، ومع هذا كله لا ينبغي أن ينكر أن المعنى السابق هو السابق إلى الذهن وما ذكر من الأخبار ليس نصا في تعيين المعنى الآخر، نعم هو نص في تكذيب في زعمه أنه من تعكيس القدرية يعني بهم أهل السنة والجماعة فتأمل. الزمخشري
والطغوى مصدر من الطغيان بمعنى تجاوز الحد في العصيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء بأن قلبوا الياء واوا في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا في الصفة: امرأة صديا وخزيا وفي الاسم تقوى وطغوى كذا في الكشاف وغيره وكلام يدل على أن طغى وأوى ويأتي حيث قال: يقال طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا فلا تغفل. والباء عند الجمهور للسببية؛ أي: فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول: ظلمني الخبيث بجراءته على الله تعالى. الراغب
وجعلها للاستعانة والأمر سهل، وجوز أن تكون صلة للتكذيب على معنى كذبت بما أوعدت به في لسان نبيها من العذاب ذي الطغوى أي التجاوز عن الحد والزيادة، ويوصف العذاب بالطغيان بهذا المعنى كما في قوله تعالى: الزمخشري فأهلكوا بالطاغية وقد يوصف بالطغوى مبالغة كما يوصف بسائر المصادر لذلك فلا يكون هناك مضاف محذوف. وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة: «طغواها» بضم الطاء وهو مصدر أيضا كالرجعى والحسنى في المصادر إلا أنه قيل: كان القياس الطغيا كالسقيا لأن فعلى بالضم لا يفرق فيه بين الاسم والصفة كأنهم شذوا فيه فقلبوا الياء واوا، وأنت تعلم أن الواو عند من يقول طغوت أصلية.