ومن أيم قد " أنكحتها " رماحنا وأخرى على خال وعم تلهف
وقول الآخر :
" ومنكوحة " غير ممهورة
وقول : الفرزدق
إذ سقى الله قوما صوب عادية فلا سقى الله أرض الكوفة المطرا
التاركين على طهر نساءهم " والناكحين " بشطي دجلة البقرا
وفي « العقد » قول الأعشى :
فلا تقربن جارة إن سرها عليك حرام " فانكحن " أو تأبدا
وفي المعنى الأعم قول القائل :
ضممت إلى صدري معطر صدرها كما " نكحت " أم الغلام صبيها
وقول أبي الطيب :
"
أنكحت " صم حصاها خف يعملة تغشمرت بي إليك السهل والجبلا
فمدعي الاشتراك اللفظي يقول: تحقق الاستعمال والأصل الحقيقة ، والثاني يقول : كونه مجازا في أحدهما حقيقة في الآخر حيث أمكن أولى من الاشتراك ، ثم يدعي تبادر العقد عند إطلاق لفظ النكاح دون الوطء ويحيل فهم الوطء منه حيث فهم على القرينة ، ففي الحديث الأول هي عطف السفاح بل يصح حمل النكاح فيه على العقد، وإن كانت الولادة بالذات من الوطء ، وفي الثاني إضافة المرأة إلى ضمير الرجل فإن امرأته هي المعقود عليها فيلزم إرادة الوطء من النكاح المستثنى وإلا فسد المعنى إذ يصير: يحل من المعقود عليها كل شيء إلا العقد ، وفي الأبيات الإضافة إلى البقر ونفي المهور ، والإسناد إلى الرماح إذ يستفاد أن المراد وطء البقر والمسبيات ، والجواب منع تبادر العقد عند الإطلاق لغة بل ذلك في المفهوم الشرعي الفقهي ، ولا نسلم أن فهم الوطء فيما ذكر مسند إلى القرينة وإن كانت موجودة إذ وجود قرينة تؤيد إرادة المعنى الحقيقي مما يثبت مع إرادة الحقيقي فلا يستلزم ذلك كون المعنى مجازيا بل المعتبر مجرد النظر إلى القرينة إن عرف أنه لولاها لم يدل اللفظ على ما عنيته فهو مجاز وإلا فلا ، ونحن في هذه المواد المذكورة نفهم الوطء قبل طلب القرينة ، والنظر في [ ص: 247 ] وجه دلالتها فيكون اللفظ حقيقة وإن كان مقرونا بما إذا نظر فيه استدعى إرادة ذلك المعنى ، ألا يرى أن ما ادعوا فيه الشهادة على أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء من بيت الأعشى فيه قرينة تفيد العقد أيضا فإن قوله :
فلا تقربن جارة
نهي عن الزنا بدليل أن سرها عليك حرام فيلزم أن قوله :فانكحن أمر بالعقد أي فتزوج إن كان الزنا عليك حراما أو تأبد
إذا علمت ذلك فنقول : حمل الشافعية النكاح في الآية التي نحن فيها على العقد دون الوطء ، واستدلوا بها على حرمة المعقود عليها وإن لم توطأ ، وذهبوا إلى عدم ثبوت الحرمة بالزنا وحمله بعض أصحابنا على العقد فيها ، واستدلوا بها على حرمة نكاح نساء الآباء والأجداد ، وثبوت حرمة المصاهرة بالزنا وجعلوا حرمة العقد ثابتة بالإجماع ثم قالوا : ولو حمل على العقد تكون حرمة الوطء ثابتة بطريق الأولى .
واعترض بأنه لا ينبغي أن يقال : ثبت حرمة الموطوأة بالآية ، والمعقود عليها بلا وطء بالإجماع لأنه إذا كان الحكم الحرمة بمجرد العقد ولفظ الدليل الصالح له كان مرادا منه بلا شبهة; فإن الإجماع تابع للنص إذ القياس عن أحدهما يكون ، ولو كان عن علم ضروري يخلق لهم ثبت بذلك أن ذلك الحكم مراد من كلام الشارع إذا احتمله ، وحمله آخرون على الوطء والعقد معا فقد قال الزيلعي : الآية تتناول منكوحة الأب وطء وعقدا صحيحا ، ولا يضر الجمع بين الحقيقة والمجاز لأن الكلام نفي ، وفي النفي يجوز الجمع بينهما كما يجوز فيه أن يعم المشترك جميع معانيه ، وقد نقل أيضا سعدي أفندي عن وصايا « الهداية » جواز الجمع بين معاني المشترك في النفي وحينئذ لا إشكال في كون الآية دليلا على حرمة الموطوأة والمعقود عليها كما لا يخفى .
واعترض ما قاله الزيلعي بأنه ضعيف في الأصول ، والصحيح أنه لا يجوز لا في النفي ولا في الإثبات ، ولا عموم للمشترك مطلقا ، وفي « الأكمل » والحق أن النفي كما اقتضاه الإثبات فإن اقتضى الإثبات الجمع بين المعنيين فالنفي كذلك وإلا فلا . الجمع بين الحقيقة والمجاز
ومسألة اليمين المذكورة في « المبسوط » فأيهم كلم حنث ليست باعتبار عموم المشترك في النفي كما توهم البعض ، وإنما هو لأن حقيقة الكلام متروكة بدلالة اليمين إلى مجاز يعمها ، وفي « البحر » إن الأولى أن النكاح في الآية للعقد كما هو المجمع عليه ، ويستدل [ ص: 248 ] لثبوت حرمة المصاهرة بالوطء الحرام بدليل آخر فليفهم ، وما موصول اسمي واقعة على من يعقل ولا كلام في ذلك على رأي من جوزه مطلقا ، وكذا على رأي من جوزه إذا أريد معنى صفة مقصودة منه ، وقيل : مصدرية على إرادة المفعول من المصدر أي منكوحات آبائكم ، واختار حلف لا يكلم مواليه وله أعلون وأسفلون إبقاء المصدر على مصدريته ويكون المراد النهي عن كل نكاح كان لهم فاسد أي لا تنكحوا مثل نكاح آبائكم وليس بالوجيه . الطبري
من النساء في موضع الحال من ( ما ) أو من العائد عليها ، وعند متعلقة بنكح ، وذكر غير واحد أنها بيان لما على الوجهين السابقين ، وظاهره أنها بيانية ، ويحتمل أن تكون تبعيضية والبيان معنوي ، ونكتته مع عدم الاحتياج إليه إذ المنكوحات لا يكن إلا نساء التعميم كأنه قيل : أي امرأة كانت ، واحتمال كونه رفع توهم التغليب في آبائكم وجعله أعم من الأمهات حتى يفيد أنه نهي للبنت عن نكاح منكوح أمها لا يخلو عن خفاء . الطبري
إلا ما قد سلف أي مات كما روي ذلك عن وهو استثناء متصل على المختار مما نكح للمبالغة في التحريم والتعميم ، والكلام حينئذ من باب تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه كما في قول أبي بن كعب : النابغة
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم " بهن فلول من قراع الكتائب
والمعنى لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا من مات منهن . والمقصود سد باب الإباحة بالكلية لما فيه من تعليق الشيء بالمحال كقوله تعالى : حتى يلج الجمل في سم الخياط والمعلق على المحال محال ، وقيل : إنه استثناء متصل مما يستلزمه النهي وتستلزمه مباشرة المنهي عنه من العقاب كأنه قيل : تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف ومضى فإنه معفو عنه ، وبهذا التأويل يندفع الاستشكال بأن النهي للمستقبل ، وما قد سلف ماض فكيف يستثنى منه ، وجعل بعض محققي النحاة الاستثناء مما دخل في حكم دلالة المفهوم منقطعا فحكم على ما هنا بالانقطاع أي لكن ما سلف لا مؤاخذة عليه فلا تلامون به لأن الإسلام يهدم ما قبله فتثبت به أحكام النسب وغيره ، ولا يعد ذلك زنا ، وقد ذكر البلخي أنه ليس كل نكاح حرمه الله تعالى يكون زنا لأن الزنا فعل مخصوص لا يجري على طريقة لازمة وسنة جارية ، ولذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية أولاد زنا ، ولا لأولاد أهل الذمة مثلا إذا كان ذلك عن عقد بينهم يتعارفونه ، وزعم بعضهم على تقدير الانقطاع أن المعنى لكن ما سلف أنتم مقرون عليه ، وحكي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرهم على منكوحات آبائهم مدة ثم أمر بمفارقتهن ، وفعل ذلك ليكون إخراجهم عن هذه العادة الرديئة على سبيل التدريج ، قال البلخي : وهذا خلاف الإجماع ، وما علم من دين الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فالقول به خطأ والمعول عليه من بين الأقوال الأول لقوله سبحانه :
( إنه ) أي نكاح ما نكح الآباء كان فاحشة ومقتا فإنه تعليل للنهي وبيان لكون المنهي عنه في غاية القبح كما يدل عليه الأخبار بأنه فاحشة مبغوضا باستحقار جدا حتى كأنه نفس البغض كما يدل عليه الأخبار بأنه مقت ، وإنه لم يزل في حكم الله تعالى وعلمه موصوفا بذلك ما رخص فيه لأمة من الأمم كما يقتضيه كان على ما ذكره علي بن عيسى وغيره ، وهذا لا يلائم أن يوسط بينهما ما يهون أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه كما أشار إليه وارتضاه جمع من المحققين ، ومن الناس من استظهر كون هذه الجملة خبرا على تقدير الانقطاع وليس بالظاهر ، ومنهم من فسر الفاحشة هنا بالزنا وليس بشيء ، وقد كان هذا النكاح يسمى في الجاهلية نكاح المقت ، ويسمى الولد منه مقتيا ، ويقال له أيضا : مقيت أي مبغوض مستحقر ، وكان من هذا النكاح [ ص: 249 ] على ما ذكره الزمخشري الطبرسي الأشعث بن قيس ومعيط جد الوليد بن عقبة وساء سبيلا أي بئس طريقا طريق ذلك النكاح ، ففي ساء ضمير مبهم يفسره ما بعده ، والمخصوص بالذم محذوف ، وذم الطريق مبالغة في ذم سالكها وكناية عنه ، ويجوز -واختاره الليث- أن تكون ساء كسائر الأفعال ففيها ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير به .
وسبيلا تمييز محول عن الفاعل ، والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وإما معطوفة على خبر كان محكية بقول مضمر هو المعطوف في الحقيقة أي ومقولا في حقه ذلك في سائر الأعصار .
قال الإمام : « مراتب القبح ثلاث : القبح العقلي والقبح الشرعي والقبح العادي ، وقد وصف الله سبحانه هذا النكاح بكل ذلك ، فقوله سبحانه : الرازي فاحشة إشارة إلى مرتبة قبحه العقلي ، وقوله تعالى : ومقتا إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي ، وقوله عز وجل : وساء سبيلا إشارة إلى مرتبة قبحه العادي ، وما اجتمع فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح » ، وأنت تعلم أن كون قوله عز شأنه : ومقتا إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي ظاهر على تقدير أن يكون المراد " ومقتا " عند الله تعالى ، وأما على تقدير أن يكون المراد " ومقتا " عند ذوي المروآت فليس بظاهر ، ومن هنا قيل : إن قوله جل شأنه : ( فاحشة ) إشارة إلى القبح الشرعي ومقتا إشارة إلى العقلي بمعنى المنافرة وساء سبيلا إلى العرفي ، وعندي أن لكل وجها ، ولعل ترتيب الإمام أولى من بعض الحيثيات كما لا يخفى ، ومما يدل على فظاعة أمره ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم عن والبيهقي قال : البراء لقيت خالي ومعه الراية قلت : أين تريد؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله .