وقول إن ذلك منسوخ بقوله تعالى: مقاتل: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا فاسد كما لا يخفى، وجوز أن يكون أحقابا جمع حقب كحذر من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق، وحقب العام إذا قل مطره وخيره، والمراد: محرومين من النعيم وهو كناية عن كونهم معاقبين فيكون حالا من ضمير: لابثين .
وقوله تعالى: لا يذوقون صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وهو على ما ذكر أولا جملة مبتدأة خبر عنهم، والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير، والشراب معروف، والحميم الماء الشديد الحرارة، والغساق ما يقطر من جلود أهل النار من الصديد؛ أي: لا يذوقون فيه شيئا ما من روح ينفس عنهم حر النار، ولا من شراب يسكن عطشهم لكن يذوقون ماء حارا وصديدا.
وفي الحديث: «إن الرجل منهم إذا أدنى ذلك من فيه سقط فروة وجهه حتى يبقى عظاما تقعقع».
وعن رضي الله تعالى عنهما أن البرد الشراب البارد المستلذ. ومنه قول ابن عباس حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم بردا يصفق بالرحيق السلسل
[ ص: 16 ] وقول الآخر:
أماني من سعدى حسان كأنما سقتك بها سعدى على ظما بردا
فيكون ولا شرابا من نفي العام بعد الخاص. وقال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي: البرد: النوم، والعرب تسميه بذلك لأنه يبرد سورة العطش، ومن كلامهم: منع البرد، وقال الشاعر:
فلو شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
أي: وهو مجاز في ذلك عند بعض، ونقل في البحر عن كتاب اللغات في القرآن أن البرد هو النوم بلغة هذيل، وعن ابن عباس الغساق الزمهرير، وهو على ما قيل مستثنى من وأبي العالية: بردا إلا أنه أخر لتوافق رؤوس الآي فلا تغفل.
وقرأ غير واحد من السبعة: «غساقا» بالتخفيف.