استحوذ عليهم الشيطان أي غلب على عقولهم بوسوسته وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستوليا عليهم ، وقال : الحوذ أن يتبع السائق حاذيالبعير أي أدبار فخذيه فيعنف في سوقه يقال : حاذ الإبل يحوذها أي ساقها [ ص: 34 ] الراغب
سوقا عنيفا ، وقوله تعالى : استحوذ عليهم الشيطان أي استاقهم مستوليا عليهم ، أو من قولهم : استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها . اهـ .
وصرح بعض الأجلة أن الحوذ في الأصل السوق والجمع ، وفي القاموس تقييد السوق بالسريع ثم أطلق على الاستيلاء ، ومثله الأحواذ والأحوذي ، وهو كما قال : المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عنه منها شيء ، ومنه قول الأصمعي في عائشة رضي الله تعالى عنهما كان أحوذيا نسيج وحده مأخوذ من ذلك ، واستحوذ مما جاء على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفا كما سمع فيه قليلا ، وقرأ به هنا عمر فجاء مخالفا للقياس -كاستنوق واستصوب - وإن وافق الاستعمال المشهور فيه ، ولذا لميخلاستعماله بالفصاحة ، وفي استفعل هنا من المبالغة ما ليس في فعل أبو عمرو فأنساهم ذكر الله في معنى لم يمكنهم من ذكره عز وجل بما زين لهم من الشهوات فهم لا يذكرونه أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم أولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح حزب الشيطان أي جنوده وأتباعه .
ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم ، وفي تصدير الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق وإظهار المتضايفين معا في موقع الإضمار بأحد الوجهين ، وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى .