ولله ملك السماوات والأرض فهو عز وجل المتصرف في الكل كما يشاء يغفر لمن يشاء
أن يغفر له ويعذب من يشاء أن يعذبه من غير دخل لأحد في شيء من غفرانه تعالى وتعذيبه جل وعلا وجودا وعدما وكان الله غفورا رحيما مبالغا في المغفرة لمن يشاء ولا يشاء سبحانه إلا لمن تقتضي الحكمة المغفرة له ممن يؤمن به سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وأما من عداه من الكافرين المجاهرين والمنافقين فهم بمعزل من ذلك قطعا وفي تقديم المغفرة والتذييل بكونه تعالى غفورا بصيغة المبالغة وضم رحيما إليه الدال على المبالغة أيضا دون التذييل بما يفيد كونه سبحانه معذبا مما يدل على سبق الرحمة ما فيه.
وفي الحديث: كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي
وهذا السبق على ما أشار إليه في أنوار التنزيل ذاتي وذلك لأن الغفران والرحمة بحسب الذات والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء والعصيان المقتضي لذلك، وقد صرح غير واحد بأن الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي إلا وهو [ ص: 101 ] متضمن لخير كلي، وفصل ذلك في شرح الهياكل، وقال بعض الأجلة: المراد بالسبق في الحديث كثرة الرحمة وشمولها وكذا المراد بالغلبة الواقعة في بعض الروايات، وذلك نظير ما يقال: غلب على فلان الكرم، ومن جعل الرحمة والغضب من صفات الأفعال لم يشكل عليه أمر السبق، ولم يحتج إلى جعله ذاتيا كما لا يخفى، والآية على ما قال لترجية أولئك المنافقين بعض الترجية إذا آمنوا حقيقة، وقيل: لحسم أطماعهم الفارغة في استغفاره عليه الصلاة والسلام لهم، وفسر أبو حيان ( من يشاء ) الأول بالتائب والثاني بالمصر، ثم قال: يكفر سبحانه السيئات باجتناب الكبائر، ويغفر الكبائر بالتوبة وهو اعتزال منه مخالف لظاهر الآية، وقال الزمخشري الطيبي: يمكن أن يقال: إن قوله تعالى: ولله ملك السماوات إلخ موقعه موقع التذييل لقوله تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله الآية على أن يقدر له ما يقابله من قوله ومن آمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للمؤمنين الجنان مثلا فلا يقيد شيء مما قيده ليؤذن بالتصرف التام والمشيئة النافذة والغفران الكامل والرحمة الشاملة فتأمل ولا تغفل.