فلولا نصرهم فهلا منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه الذين اتخذوا أي آلهتهم الذين اتخذوهم.
من دون الله قربانا آلهة والضمير الذي قدرناه عائدا هو المفعول الأول لاتخذوا. ( وآلهة ) هو المفعول الثاني ( وقربانا ) بمعنى متقربا بها حال أي اتخذوهم آلهة من دون الله حال كونها متقربا بها إلى الله عز وجل حيث كانوا يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى و هؤلاء شفعاؤنا عند الله وفي الكلام تهكم بهم.
وأجاز كون ( قربانا ) مفعولا من أجله، وأجاز هو أيضا الحوفي وابن عطية ومكي كونه المفعول الثاني لاتخذوا. وجعل ( آلهة ) بدلا منه، وقال في الكشاف: لا يصح ذلك لفساد المعنى، ونقل عنه في بيانه أنه لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله لأن الله تعالى لا يتقرب به، وأراد كما في الكشف [ ص: 29 ] أنه إذا جعل مفعولا ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله تعالى أو متجاوزين عن أخذه تعالى قربانا إليهم وهو معنى فاسد. وأبو البقاء
واعترض عليه بجعل ( دون ) بمعنى قدام كما قيل به في قوله تعالى: وادعوا شهداءكم من دون الله وبأنه قد قيل: إن قربانا مفعول له فهو غير مختص بالمتقرب به، وجاز أن يطلق على المتقرب إليه وحينئذ يلتئم الكلام.
وأجيب عن الأول بأنه غير قادح لأنه مع نزارة استعمال دون بمعنى قدام لا يصلح ظرف الاتخاذ لأنه ليس بين يدي الله تعالى وإنما التقرب بين يديه تعالى ولأجله سبحانه، واتخاذهم قربانا ليس التقرب به لأن معناه تعظيمهم بالعبادة ليشفعوا بين يدي الله عز وجل ويقربوهم إليه سبحانه، فزمان الاتخاذ ليس زمان التقرب البتة، وحينئذ إن كان مستقرا حالا لزم ما لزم في الأول.
ولا يجوز أن يكون معمول ( قربانا ) لأنه اسم جامد بمعنى ما يتقرب به فلا يصلح عاملا كالقارورة وإن كان فيها معنى القرار، وفيه نظر. وأجيب عن الثاني بأن بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أن قوله تعالى بعد الزمخشري بل ضلوا إلخ ينادي على فساد ذلك أرفع النداء، وقال بعضهم في امتناع كون ( قربانا ) مفعولا ثانيا ( وآلهة ) بدلا منه: إن البدل وإن كان هو المقصود لكن لا بد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا صحة لقولهم: اتخذوهم من دون الله قربانا أي ما يتقرب به لأن الله تعالى لا يتقرب به بل يتقرب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله تعالى في ذلك، وجنح بعضهم إلى أنه يصح أن يقال: الله تعالى يتقرب به أي برضاه تعالى والتوسل به جل وعلا. وقال الطيبي: إن لم يرد بفساد المعنى إلا خلاف المعنى المقصود إذ لم يكن قصدهم في اتخاذهم الأصنام آلهة على زعمهم إلا أن يتقربوا بها إلى الله تعالى كما نطقت به الآيات فتأمل. الزمخشري
وقرئ (قربانا) بضم الراء بل ضلوا عنهم أي غابوا عنهم، وفيه تهكم بهم أيضا كأن عدم نصرهم لغيبتهم أو ضاعوا عنهم أي ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقد امتنع نصرهم الذي كانوا يؤملونه امتناع نصر الغائب عن المنصور وذلك أي ضلال آلهتهم عنهم إفكهم أي أثر إفكهم أي صرفهم عن الحق واتخاذهم إياها آلهة ونتيجة شركهم وما كانوا يفترون أي وأثر افترائهم وكذبهم على الله تعالى أو أثر ما كانوا يفترونه على الله عز وجل، وقيل: ذلك إشارة إلى اتخاذ الأصنام آلهة أي ذلك الاتخاذ الذي أثره ضلال آلهتهم عنهم كذبهم وافتراؤهم أو والذي كانوا يفترونه وليس بذاك وإن لم يحوج إلى تقدير مضاف. وقرأ في رواية (أفكهم) بفتح الهمزة، والإفك والأفك مصدران كالحذر والحذر وقرأ ابن عباس ابن الزبير والصباح بن العلاء الأنصاري وأبو عياض وعكرمة وحنطلة بن النعمان بن مرة وهي رواية عن ومجاهد أيضا (أفكهم) بثلاث فتحات على أن أفك فعل ماض وحينئذ الإشارة إلى الاتخاذ أي ذلك الاتخاذ صرفهم عن الحق، ابن عباس وما كانوا قيل عطف على ذلك أو على الضمير المستتر وحسن للفصل أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي كذلك، والجملة حينئذ معطوفة على الجملة قبلها.
وأبو عياض أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير، وعكرمة أيضا وابن الزبير فيما ذكر وابن عباس ابن خالويه (آفكهم) بالمد فاحتمل أن يكون فاعل فالهمزة أصلية وأن يكون أفعل والهمزة للتعدية أي جعلهم يأفكون، وجوز أن تكون للوجدان كأحمدته وأن يكون أفعل بمعنى فعل، وحكي في البحر أنه قرئ (أفكهم) بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف وهي لغة في الإفك. وقرأ فيما روى ابن عباس قطرب وأبو الفضل الرازي (آفكهم) اسم فاعل من أفك أي وذلك الاتخاذ صارفهم عن الحق. وقرئ (وذلك إفك مما كانوا يفترون) والمعنى ذلك بعض [ ص: 30 ] ما يفترون من الإفك أي بعض أكاذيبهم المفتريات فالإفك بمعنى الاختلاف فلا تغفل.