الريح يبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه
وقال : النابغة
بكى حارث الجولان من فقد ربه وحوران منه خاشع متضائل
أراد بهما مكانين معروفين، وقال جرير :
لما أتى خبر تواضعت سور المدينة والجبال الخشع الزبير
وقال يرثي الفرزدق أمير المؤمنين : عمر بن عبد العزيز
الشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
يتعجب من طلوع الشمس وكان من حقها أن لا تطلع أو تطلع كاسفة، والنجوم تروى منصوبة ومرفوعة فالنصب على المغالبة أي تغلب الشمس النجوم في البكاء نحو باكيته فبكيته، قال جار الله: كان رضي الله تعالى عنه يتهجد بالليل فتبكيه النجوم ويعدل بالنهار فتبكيه الشمس والشمس غالبة في البكاء لأن العدل أفضل من صلاة الليل، والجوهري جعلها منصوبة بكاسفة أي لا تكسف ضوء النجوم لكثرة بكائها وكأنه جعل خفاء النجوم تحت ضوء الشمس كسفا لها مجازا، وفيه أن الكسف بالمعنى المذكور غير واضح وتخلل تبكي غير مستفصح وفي حواشي الصحاح الشمس كاسفة ليست بطالعة. وفيها أن نجوم الليل ظرف أي طول الدهر كأنه من باب آتيك الشمس والقمر أي وقتهما كأنه قيل: تبكي ما يطلع النجوم والقمر، وفيه أن مثل هذا الظرف مسموع لا يثبت إلا بثبت فكيف يعدل إليه مع المعنى الواضح، وقيل: التقدير تبكي بكاء النجوم فحذف المضاف، وفيه أنه مما لا يكاد يفهم، والرفع واضح والقمر منصوب على أنه مفعول معه وهذا استطراد دعانا إليه شهرة البيت مع كثرة الخبط فيه.
وأخرج . وجماعة عن الترمذي قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنس فما بكت عليهم السماء والأرض وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على وجه الأرض عملا صالحا فتفقدهم فتبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم. (ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فالمؤمن إذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية
[ ص: 125 ] وأخرج في شعب الإيمان البيهقي وصححه وغيرهما عن والحاكم قال: (إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحا ثم قرأ الآية) وأخرج ابن عباس وغيره عن ابن المنذر كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم تلا علي فما بكت إلخ وجعلوا كل ذلك من باب التمثيل.
ومن أثبت كالصوفية للأجرام السماوية والأرضية وسائر الجمادات شعورا لائقا بحالها لم يحتج إلى اعتبار التمثيل وأثبت بكاء حقيقيا لها حسبما تقتضيه ذاتها ويليق بها أو أوله بالحزن أو نحوه وأثبته لها حسب ذلك أيضا.
وأخرج . ابن جرير عن وابن المنذر بكاء السماء حمرة أطرافها. وأخرج عطاء عن ابن أبي الدنيا نحوه، وأخرج عن الحسن قال: كان يقال هذه الحمرة التي تكون في السماء بكاء السماء على المؤمن ولعمري ينبغي لمن لم يضحك من ذلك أن يبكي على عقله، وأنا لا أعتقد أن من ذكر من الأجلة كانوا يعتقدونه، وقيل: إن الآية على تقدير مضاف أي فما بكت عليهم سكان السماء وهم الملائكة وسكان الأرض وهم المؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين. سفيان الثوري
وروي هذا عن والأحسن ما تقدم الحسن وما كانوا لما جاء وقت هلاكهم منظرين ممهلين إلى وقت آخر أو إلى يوم القيامة بل عجل لهم في الدنيا