والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة قيل: نزلت في الأنصار دعاهم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للإيمان به وطاعته سبحانه فاستجابوا له فأثنى عليهم جل وعلا بما أثنى، وعليه فهو من ذكر الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردد وتلعثم، والآية إن كانت مدنية فالأمر ظاهر وإذا كانت مكية فالمراد بالأنصار من آمن بالمدينة قبل الهجرة أو المراد بهم أصحاب العقبة وأمرهم شورى بينهم أي ذو شورى ومراجعة في الآراء بينهم بناء على أن الشورى مصدر كالبشرى فلا يصح الإخبار لأن الأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة، وأورد أنه يقال من غير تأويل شأني الكرم والأمر هنا بمعنى الشأن. نعم إذا حمل على القضايا المتشاور فيها احتاج إلى التأويل أو قصد المبالغة، وقيل: إن إضافة المصدر للعموم فلا يصح الإخبار إلا بالتأويل ورد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمورهم وفيه نظر، وقال المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شرت العسل وأشرته استخرجته والشورى الأمر الذي يتشاور فيه انتهى، والمشهور كونه مصدرا، وجيء بالجملة اسمية مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم المستمرة قبل الإسلام وبعده، وفي الآية مدح للتشاور لا سيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر، وقد أخرج الراغب: في شعب الإيمان عن البيهقي رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عمر وأخرج من أراد أمرا فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور، . عبد بن حميد في الأدب. والبخاري عن وابن المنذر قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم ثم تلا الحسن وأمرهم شورى بينهم ، وقد كانت الشورى بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام، وكانت بينهم أيضا في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك، والمراد ما لم يكن لهم فيه نص شرعي وإلا فالشورى لا معنى لها وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله عز وجل إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير، ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن كرم الله تعالى وجهه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال: اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد، وينبغي أن يكون المستشار عاقلا كما ينبغي أن يكون عابدا، علي فقد أخرج أيضا عن الخطيب مرفوعا أبي هريرة (استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا) والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض ففي الحديث إذا كان أمراؤكم خياركم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض [ ص: 47 ] خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها) وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفسادها للدين والدنيا أكثر من إصلاحها ومما رزقناهم ينفقون أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح بمجرد الإنفاق، ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى وإقام الصلاة كانا من آثارها، وقيل: لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات.