ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك أي من الرسل عليهم السلام لئن أشركت أي بالله تعالى شيئا ما ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الظاهر أن جملة ( لئن ) .. إلخ . نائب فاعل ( أوحي ) لكن قيل في الكلام حذف والأصل أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك.. إلخ ، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك ، وقيل : لا حذف ، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلى الله تعالى عليه وسلم والمرسلين الموحى إليهم فإنه أوحى لكل لئن أشركت .. إلخ . بالإفراد ، وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل ، ففي البحر أن ( إليك ) حينئذ نائب الفاعل ، والمعنى كما قال مقاتل أوحي إليك وإلى الذين [ ص: 24 ] من قبلك بالتوحيد ، وقوله تعالى : لئن أشركت .. إلخ . استئناف خوطب به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة وهو كما ترى ، وأيا ما كان فهو كلام على سبيل الفرض لتهييج المخاطب المعصوم وإقناط الكفرة والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه ، فالاستدلال بالآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم السلام كما في المواقف ليس بشيء ، فاحتمال الوقوع فرضا كاف في الشرطية لكن ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع شرعية ، ولاما ( لقد ولئن ) . موطئتان للقسم واللامان بعد للجواب ، وفي عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الإشراك إلى الموت دليل للحنفية الذاهبين إلى أن الردة تحبط الأعمال التي قبلها مطلقا . نعم قالوا : لا يقضي منها بعد الرجوع إلى الإسلام إلا الحج ، ومذهب أن الردة لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر المرتد على الكفر إلى الموت ، وترك التقييد هنا اعتمادا على التصريح به في قوله تعالى : الشافعي ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة : 217] ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد .
وأجاب بعض الحنفية بأن في الآية المذكورة توزيعا فأولئك حبطت أعمالهم ناظر إلى الارتداد عن الدين وأولئك أصحاب النار .. إلخ . ناظر إلى الموت على الكفر فلا مقيد ليحمل المطلق عليه ، ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في الصحابي إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم أو قبلها ولم يره هل يقال له : صحابي أم لا ، فمن ذهب إلى الإطلاق قال لا ومن ذهب إلى التقييد قال : نعم ، وقيل : يجوز أن يكون الإحباط مطلقا من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام إذ شركه وحاشاه أقبح ، وفيه ضعف لأن الغرض تحذير أمته وتصوير فظاعة الكفر فتقدير أمر يختص به لا يتعدى من النبي إلى الأمة لا اتجاه له مع أنه لا مستند له من نقل أو عقل ، والمراد بالخسران على مذهب الحنفية ما لزم من حبط العمل فكان الظاهر - فتكون - إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل للإشعار بأن كلا من الإحباط والخسران يستقل في الزجر عن الإشراك ، وقيل : الخلود في النار فيلزم التقييد بالموت كما هو عند عليه الرحمة . الشافعي
وقرئ «ليحبطن » من أحبط «عملك » بالنصب أي ليحبطن الله تعالى أو الإشراك عملك ، وقرئ بالنون ونصب «عملك » أيضا