وجوز كون الحال من ضمير يحذر الآتي قدم عليه، ولا داعي لذلك. وقرأ "ساجد وقائم" برفع كل على أنه خبر بعد خبر، وجوز الضحاك كونه نعتا لقانت، وليس بذاك، والواو كما أشير إليه للجمع بين الصفتين، وترك العطف على أبو حيان قانت قيل: لأن القنوت مطلق العبادة فلم يكن مغايرا للسجود، والقيام، فلم يعطفا عليه بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايران، فلذا عطف أحدهما على الآخر، وتقديم السجود على القيام لكونه أدخل في معنى العبادة، وذهب المعظم إلى أنه أفضل من القيام لحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، وقوله تعالى: يحذر الآخرة حال أخرى على التداخل أو الترادف، أو استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية حاله، كأنه قيل: ما باله يفعل ذلك؟ فقيل: يحذر الآخرة أي عذاب الآخرة كما قرأ به ابن جبير.
ويرجو رحمة ربه فينجو بذلك مما يحذره، ويفوز بما يرجوه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضمير الراجي، لا أنه يحذر ضر الدنيا، ويرجو خيرها فقط، وإما منقطعة، وما فيها من الإضراب للانتقال من التبكيت بتكليف الجواب الملجئ إلى الاعتراف بما بينهما من التباين البين كأنه قيل: بل أمن هو قانت إلخ، وقدر كغيره: مثلك أيها الكافر. وقال النحاس: بمعنى بل، ومن بمعنى الذي، والتقدير: بل الذي هو قانت إلخ، أفضل مما قبله، وتعقبه في البحر بأنه لا فضل لمن قبله حتى يجعل هذا أفضل، بل يقدر الخبر: من أصحاب الجنة، لدلالة مقابله، أعني الزمخشري إنك من أصحاب النار عليه، ولا يبعد أن يقدر: أفضل منك، ويكون ذلك من باب التهكم.
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وحمزة ، والأعمش ، وعيسى وشيبة ، في رواية "أمن" بتخفيف الميم، وضعفها والحسن ، الأخفش ، ولا التفات إلى ذلك، وخرجت على إدخال همزة الاستفهام التقريري على من، والمقابل محذوف، أي الذي هو قانت إلخ، خير أم أنت أيها الكافر، ومثله في حذف المعادلة قوله: وأبو حاتم
دعاني إليها القلب إني لأمره سميع فما أدري أرشد طلابها
فإنه أراد أم غي؟ وقال : الهمزة للنداء، كأنه قيل: يا من هو قانت، وجعل قوله تعالى: الفراء قل خطابا له، وضعف هذا القول أبو علي الفارسي، وهو كذلك، وقوله تعالى: قل على معنى: قل له أيضا بيانا للحق، وتصريحا به، وتنبيها على شرف العلم والعمل، هل يستوي الذين يعلمون فيعملون بمقتضى علمهم، ويقنتون الليل سجدا وركعا يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم، والذين لا يعلمون فيعملون بمقتضى جهلهم، وضلالهم كدأبك أيها الكافر الجاعل لله تعالى أندادا، والاستفهام للتنبيه على أن كون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد من منصف ومكابر، ويعلم مما ذكرنا [ ص: 247 ] أن المراد بالذين يعلمون العاملون من علماء الديانة، وصرح بإرادة ذلك بعض الأجلة على تقديري الاتصال والانقطاع، وأن الكلام تصريح بنفي المساواة بين القانت وغيره المضمنة من حرفي الاستفهام أعني الهمزة، وأم على الاتصال، أو من التشبيه على الانقطاع، وعلى قراءة التخفيف أيضا قال: وإنما عدل إلى هذه العبارة دلالة على أن ذلك مقتضى العلم وأن العلم الذي لا يترتب عليه العمل ليس بعلم عند الله تعالى، سواء جعل من باب إقامة الظاهر مقام المضمر للإشعار المذكور، أو استئناف سؤال تبكيتي توضيحا للأول من حيث التصريح، ومن حيث إنهم وصفوا بوصف آخر يقتضي اتصافهم بتلك الأوصاف، ومباينتهم لطبقة من لا يتصف. وهذا أبلغ وأظهر لفظا لقوله تعالى: قل وجوز أن يكون الكلام واردا على سبيل التشبيه، فيكون مقررا لنفي المساواة لا تصريحا بمقتضى الأول، أي كما لا استواء بين العالم وغيره عندكم من غير ريبة، فكذلك ينبغي أن لا يكون لكم ارتياب في نفي المساواة بين القانت المذكور وغيره، وكونه للتصريح بنفي المساواة، وحمل الذين يعلمون على العاملين من علماء الديانة على ما سمعت مما لا ينبغي أن يختار غيره لتكثير الفائدة، وأما من ارتاب في ذلك الواضح فلا يبعد منه الارتياب في هذا الواضح أيضا بجوابه أن الاستنكاف عن الجهل مركوز في الطباع بخلاف الأول، ويشعر كلام كثير أن قوله تعالى: أمن هو إلخ، غير داخل في حيز القول والمعنى عليه كما في الأول بتغيير يسير لا يخفى، وعن رضي الله تعالى عنهما أنه تلا: ابن عمر أمن هو قانت الآية، فقال: نزلت في وأخرج عثمان بن عفان، في طبقاته، ابن سعد وابن مردويه، عن وابن عساكر، : أنها نزلت في ابن عباس عمار بن ياسر، وأخرج جويبر عنه: أنها نزلت في عمار، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وعن الاقتصار على عكرمة: وعن عمار، : المراد بمن هو قانت مقاتل عمار، وصهيب، ، وابن مسعود وفي رواية وأبو ذر، عن الضحاك : ابن عباس وأبو بكر وقال وعمر، رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن المراد المتصف بذلك من غير تعيين، ولا يمنع من ذلك نزولها فيمن علمت، وفيها دلالة على فضل الخوف والرجاء. يحيى بن سلام:
وقد أخرج الترمذي، ، والنسائي عن وابن ماجه قال: أنس دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل، وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو وأخاف، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الذي يرجو، وآمنه الذي يخاف.
وفيها رد على من ذم العبادة خوفا من النار، ورجاء الجنة، وهو الإمام كما قال الرازي الجلال السيوطي ، نعم العبادة لذلك ليس إلا مذمومة، بل قال بعضهم بكفر من قال: لولا الجنة والنار ما عبدت الله تعالى، على معنى نفي الاستحقاق الذاتي، وفيها دلالة أيضا على فضل صلاة الليل وأنها أفضل من صلاة النهار، ودل قوله تعالى: هل يستوي إلخ، على فضل العلم، ورفعة قدره، وكون الجهل بالعكس. واستدل به بعضهم على أن الجاهل لا يكافئ العالمة، كما أنه لا يكافئ بنت العالم، وقوله تعالى: إنما يتذكر أولو الألباب كلام مستقل غير داخل عند الكافة في الكلام المأمور، وارد من جهته تعالى بعد الأمر بما تضمن القوارع الزاجرة عن الكفر والمعاصي لبيان عدم تأثيرها في قلوب الكفرة لاختلال عقولهم كما في قوله:
عوجوا فحيوا لنعمى دمنة الدار ماذا تحيون من نؤي وأحجار
وهو أيضا كالتوطئة لأفراد المؤمنين بعد بالخطاب، والإعراض عن غيرهم، أي إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل، وأما هؤلاء فبمعزل عن ذلك. وقرئ (يذكر) بالإدغام.