رب السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات منه سبحانه خلقها وإليه تدبير جميع أمورها، العزيز الذي يغلب ولا يغلب في أمر من أموره، جل شأنه، فتندرج في ذلك المعاقبة، الغفار المبالغ في المغفرة يغفر ما يشاء لمن يشاء تقرير للتوحيد، أما الوصف الأول فظاهر في ذلك غير محتاج للبيان، وأما القهار [ ص: 220 ] لكل شيء، فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهارا له ضرورة أنه لا يكون حينئذ لها، بل ربما يلزم أن يكون مقهورا، وذلك مناف للألوهية، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأما رب السماوات إلخ، فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما، وقيل: لأن معنى رب السماوات إلخ، رب كل موجود، فيدخل فيه كل ما سواه، فلا يكون إلها، وأما العزيز، فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب، ومع الشركة لا يتم ذلك.
وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء، فربما شاء مغفرة لأحد، وشاء الآخر منه العقاب فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله، وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وما قيل في برهان التمانع سؤالا وجوابا يقال هنا، وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى، وللاقتصار على وصف الإنذار صريحا فيما تقدم قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار، وجيء بالثاني تتميما له، وإيضاحا لما فيه من الإجمال، أي قل لهم: ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم، وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته، فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام، لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات بمكان لا ينكر، ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا بمنزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره، فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط، وفيه قوله تعالى: أجعل الآلهة إلها واحدا فافهم.