إن أولى الناس بإبراهيم أولى أفعل تفضيل من وليه يليه وليا، وألفه منقلبة عن ياء لأن فاءه واو، فلا تكون لامه واوا، إذ ليس في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلا واو، وأصل معناه أقرب، ومنه ما في الحديث: ويكون بمعنى أحق كما تقول: العالم أولى بالتقديم، وهو المراد هنا، أي أقرب الناس وأخصهم " لأولى رجل ذكر "، بإبراهيم للذين اتبعوه أي كانوا على شريعته في زمانه، أو اتبعوه مطلقا، فالعطف في قوله سبحانه: وهذا النبي من عطف الخاص على العام، وهو معطوف على الموصول قبله الذي هو خبر (إن)، وقرئ بالنصب عطفا على الضمير المفعول، والتقدير للذين اتبعوا إبراهيم واتبعوا هذا النبي، وقرئ بالجر عطفا على إبراهيم أي إن أولى الناس بإبراهيم، وهذا النبي للذين اتبعوه، واعترض بأنه كان ينبغي أن يثنى ضمير اتبعوه ويقال اتبعوهما، وأجيب بأنه من باب والله ورسوله أحق أن يرضوه إلا أن فيه على ما قيل الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي.
وقوله تعالى: والذين آمنوا إن كان عطفا على الذين اتبعوه يكون فيه ذلك أيضا، وإن كان عطفا على هذا النبي فلا فائدة فيه إلا أن يدعى أنها للتنويه بذكرهم، وأما التزام أنه من عطف الصفات بعضها على بعض حينئذ فهو كما ترى، ثم إن كون المتبعين لإبراهيم عليه السلام في زمانه أولى الناس به ظاهر، وكون نبينا صلى الله عليه وسلم أولاهم به لموافقة شريعته للشريعة الإبراهيمية أكثر من موافقة شرائع سائر المرسلين لها، وكون المؤمنين من هذه الأمة كذلك لتبعيتهم نبيهم فيما جاء به ومنه الموافق.
والله ولي المؤمنين [ 68 ] ينصرهم ويجازيهم بالحسنى كما هو شأن الولي، ولم يقل وليهم تنبيها على الوصف الذي يكون الله تعالى به وليا لعباده وهو الإيمان بناء على أن التعليق بالمشتق يقتضي عليه مبدأ الاشتقاق، ومن ذلك يعلم ثبوت الحكم للنبي بدلالة النص، قال رضي الله تعالى عنهما، ابن عباس قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك وأنه كان يهوديا وما بك إلا الحسد، فأنزل الله تعالى [ ص: 198 ] هذه الآية، وأخرج من طريق عبد بن حميد قال: "حدثني شهر بن حوشب ابن غنم أنه لما خرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدركهم النجاشي عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط فأرادوا عنتهم والبغي عليهم فقدموا على وأخبروه أن هؤلاء الرهط الذين قدموا عليك من أهل النجاشي مكة يريدون أن يخبلوا عليك ملكك ويفسدوا عليك أرضك ويشتموا ربك، فأرسل إليهم فلما أن أتوه قال: ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان النجاشي لعمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط يزعمان أنما جئتم لتخبلوا علي ملكي وتفسدوا علي أرضي، فقال عثمان بن مظعون إن شئتم خلوا بين أحدنا وبين وحمزة: فليكلمه أينا أحدثكم سنا، فإن كان صوابا فالله يأتي به، وإن كان أمرا غير ذلك قلتم رجل شاب لكم في ذلك عذر، فجمع النجاشي قسيسيه ورهبانيته وتراجمته ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه هل له كتاب يقرؤه؟ قالوا: نعم، هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله تعالى عليه وما قد سمع منه ويأمر بالمعروف ويأمر بحسن المجاورة، ويأمر باليتيم، ويأمر بأن يعبد الله تعالى وحده ولا يعبد معه إله آخر، فقرأ عليه سورة الروم والعنكبوت وأصحاب الكهف ومريم، فلما أن ذكر النجاشي عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم، قال: والله إنهم يشتمون عيسى ويسبونه، قال ما يقول صاحبكم في النجاشي: عيسى، قال يقول: إن عيسى عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم، فأخذ نفثة من سواكه قدر ما يقذى العين فحلف ما زاد النجاشي المسيح على ما يقول صاحبكم بما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه فأبشروا ولا تخافوا فلا (دهونة) يعني بلسان الحبشة اللوم على حزب إبراهيم، قال عمرو بن العاص: ما حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم، فأنزلت ذلك اليوم في خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة إن أولى الناس بإبراهيم الآية".