وأما قوله سبحانه أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم فمن كلامه - جل وعلا - عند الأكثرين، وهو متعلق بقوله تعالى: أولئك لهم رزق معلوم والقصة بينهما ذكرت بطريق الاستطراد فالإشارة إلى الرزق المعلوم.
وزعم بعضهم جواز كونه من كلام القائل السابق وما هو من كلامه - عز وجل - قطعا هو ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأصل النزل الفضل والريع في الطعام، ويستعمل في الحاصل من الشيء، ومنه العسل ليس من أنزال الأرض [ ص: 95 ] أي مما يحصل منها، وقول لا يجب في العسل العشر لأنه نزل طائر، ويقال لما يعد للنازل من الرزق. الشافعي
والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورم، تكون في تهامة وفي البلاد المجدبة المجاورة للصحراء، سميت بها الشجرة الموصوفة بما في الآية، وكلا المعنيين للنزل محتمل هنا؛ بيد أنه يتعين على الأول انتصابه على التمييز، أي: أذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير نزلا وحاصلا أم شجرة الزقوم التي حاصلها الألم والغم؟ ومعنى التفاضل بين النزلين التوبيخ والتهكم، وهو أسلوب كثير الورود في القرآن، والحمل على المشاركة جائز، وعلى الثاني الظاهر انتصابه على الحال، والمعنى أن الرزق المعلوم نزل أهل الجنة، وأهل النار نزلهم شجرة الزقوم، فأيهما خير حال كونه نزلا؟ وفيه ما مر من التهكم.
والحمل على التمييز لا مانع منه لفظا كما في نحو: هم أكفاهم ناصرا، ولكن المعنى على الحال أسد؛ لأن المعنى المفاضلة بين تلك الفواكه وهذا الطعام في هذه الحال لا التفاضل بينهما في الوصف، وإن ذلك في النزلية أدخل من الآخر فافهم.