وأخرج عن ابن المنذر أنه فسر الطائر بنفس الشؤم، أي شؤمكم معكم، وهو الإقامة على الكفر [ ص: 224 ] وأما نحن فلا شؤم معنا، لأنا ندعو إلى التوحيد ابن عباس وعبادة الله تعالى، وفيه غاية الدين والخير والبركة، وعن أبي عبيدة والمبرد طائركم أي حظكم ونصيبكم من الخير والشر معكم من أفعالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش «طيركم» بياء ساكنة بعد الطاء، قال : الطائر والطير بمعنى، وفي القاموس الطير جمع طائر وقد يقع على الواحد وذكر أن الطير لم يقع في القرآن الكريم إلا جمعا كقوله تعالى الزجاج والطير صافات [النور: 41] فإذا كان في هذه القراءة كذلك فطائر، وإن كان مفردا لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع، فالقراءتان متوافقتان.
وعن أنه قرأ «اطيركم» مصدر اطير الذي أصله تطير فأدغمت التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر. الحسن
أإن ذكرتم بهمزتين؛ الأولى همزة الاستفهام، والثانية همزة إن الشرطية حققها الكوفيون وسهلها باقي السبعة، واختلف وابن عامر سيبويه ويونس فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب إلى إجابة الاستفهام، أي تقدير المستفهم عنه وكأنه يستغنى به عن تقدير جواب الشرط، فالمعنى عليه أئن ذكرتم ووعظتم بما فيه سعادتكم تتطيرون أو تتوعدون أو نحو ذلك، ويقدر مضارع مرفوع وإن شئت قدرت ماضيا ك (تطيرتم)، وذهب سيبويه يونس إلى إجابة الشرط وكأنه يستغنى به عن إجابة الاستفهام وتقدير مصب له، فالتقدير أئن ذكرتم تتطيروا أو نحوه مما يدل عليه ما قبل، ويقدر مضارع مجزوم، وإن شئت قدرت ماضيا مجزوم المحل.
وقرأ زر بهمزتين مفتوحتين، وهي قراءة أبي جعفر إلا أنهما لينا الثانية بين بين، وعلى تحقيقهما جاء قول الشاعر: وطلحة
أأن كنت داود بن أحوى مرجلا فلست براع لابن عمك محرما
فالهمزة الأولى للاستفهام والثانية همزة أن المصدرية، والكلام على تقدير حرف لام الجر، أي ألأن ذكرتم تطيرتم.
وقرأ الماجشون يوسف بن يعقوب المدني بهمزة واحدة مفتوحة، فيحتمل تقدير همزة الاستفهام فتتحد هذه القراءة والتي قبلها معنى، ويحتمل عدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر، وهو على ما قيل مسوق للتعجب والتوبيخ، وتقدير حرف الجر على حاله، والجر متعلق بمحذوف على ما يشعر به كلام الكشاف، أي تطيرتم لأن ذكرتم، وقال (أن ذكرتم) على هذه القراءة معمول ابن جني طائركم معكم فإنهم لما قالوا إنا تطيرنا بكم أجيبوا بل طائركم معكم أن ذكرتم، أي هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا، فاكتفي بالسبب الذي هو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء كما وصفوا الطائر موضع مسببه وهو التشاؤم لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيب الغراب أو بروحه.
وقرأ بهمزة واحدة مكسورة وفي ذلك احتمالان: تقدير الهمزة فتتحد هذه القراءة وقراءة الجمهور، وعدم تقديرها فيكون الكلام على صورة الخبر والجواب محذوف لدلالة ما قبل عليه وتقديره كما تقدم. وقرأ الحسن في رواية وزر أيضا بهمزتين مفتوحتين بينهما مدة كأنه استثقل اجتماعهما ففصل بينهما بألف. وقرأ أيضا أبو عمرو أبو جعفر وكذا قرأ والحسن قتادة وغيرهما «أين» بهمزة مفتوحة وياء ساكنة وفتح النون «ذكرتم» بتخفيف الكاف على أن أين ظرف أداة شرط وجوابها محذوف لدلالة طائركم عليه على ما قيل، أي أين ذكرتم صحبكم طائركم، والمراد شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم، وفيه من المبالغة بشؤمهم ما لا يخفى. والأعمش
وفي البحر من جوز تقديم الجزاء على الشرط، وهم الكوفيون وأبو زيد، يجوز أن يكون الجواب والمبرد طائركم معكم ، وكان أصله أين ذكرتم فطائركم معكم فلما قدم حذفت الفاء.
بل أنتم قوم مسرفون أي: عادتكم [ ص: 225 ] الإسراف ومجاوزة الحد في العصيان، مستمرون عليه؛ فمن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله تعالى وتذكيرهم؛ فهو إضراب عما يقتضيه قوله تعالى: أئن ذكرتم من إنكار أن يكون ما هو سبب السعادات أجمع سبب الشؤم؛ لأنه تنبيه وتعريك إلى البت عليهم بلزام الشؤم وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ وهو جالب الشؤم كله أو بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم متمادون في غيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من الهداة لدين الله تعالى فهو إضراب عن مجموع الكلام أجابوهم بأنهم جعلوا أسبابا للسعادة مدمجين فيه التنبيه على سوء صنيعهم في الحرمان عنها، ثم أضربوا عنه إلى ما فعل القوم من التعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح. فتأمل.