ومكر السيئ هو الخداع الذي يرومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم والكيد له، وقال هو الشرك، وروى ذلك عن قتادة ، وهو عطف على ابن جريج استكبارا وأصل التركيب وإن مكروا السيئ على أن السيئ صفة لموصوف مقدر أي المكر المسيء، ثم أقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة، وجوز أن يكون [ ص: 206 ] عطفا على نفورا وقرأ الأعمش «السيئ» بإسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتوالي الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل، وزعم وحمزة أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الإعراب كما قال الزجاج ، وزعم أبو جعفر محمد بن يزيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون قرأ بها، وقال: إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلط من أدى عنه، والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين، والحق أنها ليست بلحن، وقد أكثر الأعمش في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف، وقال أبو علي ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرئ به فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن، ولعمري أن الإسكان هاهنا أحسن من الإسكان في بارئكم [البقرة: 54] كما في قراءة ، وروي عن أبي عمرو «ومكر السأي» بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب (السيئ) المخفف من ابن كثير السيئ كما قال الشاعر:
ولا يجزون من حسن بسيء ولا يجزون من غلظ بلين
وقرأ «مكرا سيئا» عطف نكرة على نكرة. ابن مسعود
ولا يحيق المكر السيئ أي لا يحيط إلا بأهله وقال : أي لا يصيب ولا ينزل، وأيا ما كان فهو إنما ورد فيما يكره، وزعم بعضهم أن أصل حاق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال، وهذا من إرسال المثل ومن أمثال الراغب العرب : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وعن كعب أنه قال : قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها، قال: أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية، وفي الخبر: لابن عباس «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول إنما بغيكم على أنفسكم » وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر.
والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها، والله تعالى يمهل ولا يهمل، ووراء الدنيا الآخرة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك، أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوي المتين.
وقرئ «ولا يحيق» بضم الياء «المكر السيئ» بالنصب على أنه يحيق من أحاق المتعدي وفاعله ضمير راجع إليه تعالى والمكر مفعوله.
فهل ينظرون أي ما ينتظرون، وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع إلا سنت الأولين أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم.
فلن تجد لسنت الله تبديلا بأن يضع سبحانه موضع العذاب ولن تجد لسنت الله تحويلا بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما، والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة والسلام.