وقرأ نافع، والأعرج، «مثقال» بالرفع على أن الضمير للقصة، ( وتك ) مضارع كان التامة، والتأنيث لإضافة الفاعل إلى المؤنث كما في قول وأبو جعفر الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
أو لتأويله بالزنة، أو الحسنة والسيئة، فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض أي فتكن مع كونها في أقصى غايات الصغر، والقماءة في أخفى مكان، وأحرزه، كجوف الصخرة، أو حيث كانت في العالم العلوي، أو السفلي، وقيل: في أخفى مكان، وأحرزه كجوف الصخرة، أو أعلاه، كمحدب السماوات، أو أسفله، كمقعر الأرض، ولا يخفى أنه لا دلالة في النظم على تخصيص المحدب والمقعر، ولعل المقام يقتضيه إذ المقصود المبالغة.
وفي قوله تعالى: ( في السماوات ) لا يأبى ذلك، لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة، أو هي بمعنى على، وعبر بها للدلالة على التمكن، ومع هذا الظاهر ما تقدم، وفي البحر: أنه بدأ بما يتعقله السامع أولا، وهو كينونة الشيء في صخرة، وهو ما صلب من الحجر، وعسر الإخراج منه، ثم أتبعه بالعالم العلوي، وهو أغرب للسامع، ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد، وهو الأرض، وقيل: إن خفاء الشيء وصعوبة نيله بطرق بغاية صغره، ويبعده عن الرائي، وبكونه في ظلمة، وباحتجاجه، فمثقال حبة من خردل إشارة إلى غاية الصغر، ( وفي صخرة ) إشارة إلى الحجاب، ( وفي السماوات ) إشارة إلى البعد، ( وفي الأرض ) إشارة إلى الظلمة، فإن جوف الأرض أشد الأماكن ظلمة، أو يقال: فليس المراد بصخرة صخرة معينة، وعن ابن عباس، أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض، وأخرج والسدي عن ابن مردويه أن الأرض على نون، والنون على بحر، والبحر على صخرة خضراء، خضرة الماء منها، والصخرة على قرن ثور، وذلك الثور على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى. ابن عباس:
وفسر بعضهم الصخرة بهذه الصخرة، وقيل: هي صخرة في الريح، قال : وكل ذلك ضعيف [ ص: 89 ] لا يثبت سنده، وإنما معنى الكلام المبالغة، والانتهاء في التفهيم، أي إن قدرته عز وجل تنال ما يكون في تضاعيف صخرة، وما يكون في السماء وما يكون في الأرض اهـ، والأقوى عندي وضع هذه الأخبار، ونحوها، فليست الأرض إلا في حجر الماء، وليس الماء إلا في جوف الهواء، وينتهي الأمر إلى عرش الرحمن جل وعلا، والكل في كف قدرة الله عز وجل. ابن عطية
وقرأ عبد الرحيم الجزري ( فتكن )، بكسر الكاف، وشد النون وفتحها، وقرأ محمد بن أبي فجة البعلبكي «فتكن» بضم التاء، وفتح الكاف، والنون مشددة، وقرأ «فتكن» بفتح التاء، وكسر الكاف، وسكون النون، ورويت هذه القراءة عن قتادة الجزري أيضا، والفعل في جميع ما ذكر من وكن الطائر إذا استقر في وكنته، أي عشه، ففي الكلام استعارة أو مجاز مرسل كما في المشفر، والضمير للمحدث عنه فيما سبق، وجوز أن يكون للابن، والمعنى: إن تختف، أو تخف وقت الحساب يحضرك الله تعالى، ولا يخفى أنه غير ملائم للجواب، أعني قوله تعالى: يأت بها الله أي يحضرها، فيحاسب عليها، وهذا إما على ظاهره، أو المراد يجعلها كالحاضر المشاهد لذكرها والاعتراف بها، إن الله لطيف يصل علمه تعالى إلى كل خفي خبير عالم بكنهه.
وعن : لطيف باستخراجها خبير بمستقرها، وقيل: ذو لطف بعباده فيلطف بالإتيان بها بأحد الخصمين، خبير عالم بخفايا الأشياء، وهو كما ترى، والجملة علة مصححة للإتيان بها، أخرج قتادة عن ابن أبي حاتم، علي بن رباح اللخمي: إنه لما وعظ لقمان ابنه، وقال: إنها إن تك الآية، أخذ حبة من خردل فأتى بها إلى اليرموك، وهو واد في الشام، فألقاها في عرضه، ثم مكث ما شاء الله تعالى، ثم ذكرها، وبسط يده فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته، والله تعالى أعلم، وبعد ما أمره بالتوحيد الذي هو أول ما يجب على المكلف في ضمن النهي عن الشرك، ونبهه على كمال علمه تعالى وقدرته عز وجل أمره بالصلاة التي هي أكمل العبادات تكميلا من حيث العمل بعد تكميله من حيث الاعتقاد، فقال مستميلا له: