إذ جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
قال صاحب الكشف روح الله تعالى روحه: إن ما ذكره أوفق لتأليف النظم الجليل، فإن قوله تعالى: الزمخشري أولم يروا أن الله يبسط الرزق لتتميم الإنكار على من فرح بالنعمة عن شكر المنعم، ويئس عند زوالها عنه، والظاهر على ما ذكره الإمام أن المراد بالحق الحق المالي، وكذا المراد به في جانب المسكين، وابن السبيل، وحمل ذلك بعضهم على الزكاة المفروضة. وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة، واستثناء هذه الآية ودعوى أنها مدنية يحتاج إلى نقل صحيح، وسبق النزول على الحكم بعيد، ولذا لم يذكر هنا بقية الأصناف، وحكي أن استدل بالآية على أبا حنيفة ذكرا كان أو أنثى، إذا كان فقيرا أو عاجزا عن الكسب، ووجه بأن (آت) أمر للوجوب، والظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه مالي، ولو كان المراد الزكاة لم يقدم حق ذوي القربى، إذ الظاهر من تقديمه المغايرة، والشافعية أنكروا وجوب النفقة على من ذكر، وقالوا: لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين على ما بين في الفقه، والمراد بالحق المصرح به في ذي القربى وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم بأنواعها، وبالحق المعتبر في جانب المسكين وابن السبيل صدقة كانت مفروضة قبل فرض الزكاة، أو صلة الرحم والآية مدنية أو مكية، والنزول سابق على الحكم. واعترض على هذا بأنه إذا فسر حق الأخيرين بالزكاة وجب تفسير الأول بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب والندب، ولذا استدل الزكاة المفروضة، عليه الرحمة بالآية على ما تقدم، وفيه بحث. أبو حنيفة
وقال بعض أجلة الشافعية رادا على الاستدلال: إنه كيف يتم مع احتمال أن يكون أيضا بدليل ما تلاه، ثم إن ( ذا القربى ) مجمل عند المستدل، ومن أين له أنه بين بذي الرحم المحرم، وكذلك قوله تعالى: ( حقه )، ثم قال: والحق أنه أمر بتوفير حقه من الصلة لا خصوص النفقة، وصلة الرحم من الواجبات المؤكدة انتهى، والحق أحق بالاتباع، ودليل الإمام عليه الرحمة ليس هذا وحده كما لا يخفى على علماء مذهبه. الأمر بإيتاء الصدقة
وخص بعض الخطاب به صلى الله تعالى عليه وسلم وقال: المراد بذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب، أمر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة والفيء، وفي مجمع البيان للطبرسي من الشيعة: المعنى: وآت يا محمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها الله تعالى لهم من الأخماس.
وروى وغيره أبو سعيد الخدري أنه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة والسلام رضي الله تعالى عنها فدكا، وسلمه إليها، فاطمة وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله، انتهى.
وفيه أن هذا ينافي ما اشتهر عند الطائفتين من أنها رضي الله تعالى عنها [ ص: 45 ] ادعت فدكا بطريق الإرث، وزعم بعضهم أنها ادعت الهبة، وأتت على ذلك بعلي والحسن رضي الله تعالى عنهم والحسين وبأم أيمن رضي الله تعالى عنها، فلم يقبل منها لمكان الزوجية والبنوة، و في هذا الباب، فادعت الإرث، فكان ما كان، وهذا البحث مذكور على أتم وجه في التحفة، إن أردته فارجع إليه، وخص بعضهم ( ابن السبيل ) بالضيف وحقه بالإحسان إليه إلى أن يرتحل، والمشهور أنه المنقطع عن ماله، وبين المعنيين عموم من وجه، وقدم ذو القربى اعتناء بشأنه، وهو السر في تقديم المفعول الثاني على العطف، والعدول عن: وآت ذا القربى والمسكين وابن السبيل حقهم، وعبر عن القريب بذي القربى في جميع المواضع، ولم يعبر عن المسكين بذي المسكنة، لأن القرابة ثابتة لا تتجدد، وذو كذا، لا يقال في الأغلب إلا في الثابت، ألا ترى أنهم يقولون لمن تكرر منه الرأي الصائب: فلان ذو رأي، ويكاد لا تسمعهم يقولون لمن أصاب مرة في رأيه كذلك، وكذا نظائر ذلك من قولهم: فلان ذو جاه وفلان ذو إقدام، والمسكنة لكونها مما تطرأ وتزول لم يقل في المسكين ذو مسكنة، كذا قال الإمام: عدم كفاية المرأة الواحدة في الشهادة ذلك أي الإيتاء المفهوم من الأمر خير في نفسه أو خير من غيره، للذين يريدون وجه الله أي ذاته سبحانه، أي يقصدونه عز وجل بمعروفهم خالصا، أو جهته تعالى، أي يقصدون جهة التقرب إليه سبحانه، لا جهة أخرى، والمعنيان كما في الكشف متقاربان، ولكن الطريقة مختلفة.
وأولئك المتصفون بالإيتاء هم المفلحون حيث حصلوا بإنفاق ما يفنى النعيم المقيم، والحصر إضافي على ما قيل: أي أولئك هم المفلحون، لا الذين بخلوا بما لهم، ولم ينفقوا منه شيئا.
وقيل: هو حقيقي على أن المتصفين بالإيتاء المذكور هم الذين آمنوا وأقاموا الصلاة وأنابوا إليه تعالى، واتقوه عز وجل، فلا منافاة بين هذا الحصر والحصر المذكور في أول سورة البقرة فتأمل.