ويوم ينفخ في الصور إما معطوف على يوم نحشر منصوب بناصبه، أو منصوب بمضمر معطوف على ذلك الناصب، والصور- على ما في التذكرة- قرن من نور، وذكر عن البخاري أنه كالبوق. مجاهد
وأخرج عن الترمذي قال: عبد الله بن عمرو بن العاص والمشهور أن صاحب الصور هو «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه»، إسرافيل عليه السلام.
وذكر أن الأمم مجمعة على ذلك وهو مخلوق اليوم، فقد أخرج القرطبي وحسنه عن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي سعيد الخدري «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ؟! فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لهم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل»
وروي أيضا عن مرفوعا أبي هريرة «ما أطرق صاحب الصور مذ وكل به مستعدا بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريان».
وجاء عن من حديث مرفوع أبي هريرة «إن أعظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض»
وهذا مما يؤمن به وتفوض كيفيته إلى علام الغيوب، وقيل: إن الصور بسكون الواو بمعنى الصور بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة- وعليه والكلام في الوجهين على حقيقته، وقيل: في الكلام استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاث الموتى من القبور إلى المحشر إذا نودوا بالقيام بهيئة قيام جيش نفخ لهم في المزمار المعروف وسيرهم إلى محل عين لهم، والأول قول الأكثرين- وعليه المعول- لأن قوله تعالى: أبو عبيدة- ثم نفخ فيه أخرى ظاهر في أن الصور ليس جمع صورة وإلا لقال سبحانه: فيها بدل فيه، وارتكاب التأويل بجعل الكلام من باب التمثيل ظاهر في إنكار أن يكون هناك صور حقيقة، وهو خلاف ما نطقت به الأحاديث الصحاح، وقد قال أبو الهيثم على ما نقل عنه في تفسيره: من أنكر أن يكون الصور قرنا فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات، وهذا النفخ قيل: المراد به النفخة الثانية، وإليه ذهب صاحب الغنيان، واختاره العلامة القرطبي أبو السعود وقال: الذي يستدعيه سياق النظم الكريم وسباقه ذلك، وأن المراد بالفزع في قوله تعالى: [ ص: 31 ] ففزع من في السماوات ومن في الأرض ما يعتري الكل عند البعث والنشور من الرعب والتهيب الضروريين الجبليين بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، ثم قال: وقيل: المراد بالنفخ هي النفخة الأولى، وبالفزع هو الذي يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض فيختص أثرها بمن كان حيا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم.
وقيل: إن المراد بهذه النفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق التي أريدت بقوله تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وشنع على كلا القولين بما هو مذكور في تفسيره.
وقال العلامة الطيبي: الحق أن المراد بقوله تعالى: ينفخ في الصور ففزع هو النفخة الأولى، وقوله تعالى الآتي: وكل إلخ إشارة إلى النفخة الثانية، واعلم أنهم اختلفوا في عدد النفخة فقيل: ثلاث: نفخة الصعق المذكورة في قوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ، ونفخة البعث المذكورة في قوله تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ، ونفخة الفزع المذكورة في الآية المذكورة هاهنا، وهو اختيار ابن العربي.
وقيل: اثنتان، ونفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين: الفزع بمعنى الخوف. والصعق بمعنى الموت لا زمان لها، قال والسنة كحديث القرطبي: عن مسلم وهو طويل منه مع حذف ثم ينفخ في الصور فأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم يصعق الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. تدل على أن النفخ مرتان لا ثلاثة وهو الصحيح، ونفخ الفزع هو نفخ الصعق بعينه لاتحاد الاستثناء في آيتيهما. وتعقب في الرسالة المسماة بشرح العشر في معشر الحشر المنسوبة لابن الكمال بأنه لا دلالة في الحديث على عدم النفخة الثالثة، غايته أنه وسائر الأحاديث الواردة على نسقه ساكت عنها، ولا يلزم من ذلك عدمها، وكذا لا دلالة في اتحاد الاستثناء في الآيتين أن يكون المذكور فيهما نفخة واحدة، وهذا ظاهر، ثم قال: والصحيح عندي ما في القول الأول، من أن نفخة الفزع غير نفخة الصعق. فإن حديث الصحيحين عبد الله بن عمرو بن العاص بموسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور: صريح في أن الصعق يوم القيامة، وأن لا موت فيه فهو فزع بلا موت، فمن قال: هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق وهو الموت، ثم نفخة البعث فقد أصاب في التفرقة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، إلا أنه لم يصب في زعمه أن نفخة الفزع قبل نفخة الصعق. كيف وقد دل حديث الصحيحين المذكور على عموم حكم نفخة الفزع للأنبياء عليهم السلام الذين ماتوا قبل نفخة الصعق أي الموت، قال لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا إن نفخة الفزع بعد النشر حين تنشق السماوات والأرض، فظهر أن النفخات ثلاث بل أربع: نفخة يميت الله تعالى جميع الخلق بها كما جاء في الحديث وعند ذلك ينادي سبحانه: لمن الملك اليوم. وينادي على ذلك قوله تعالى: القاضي عياض: كل شيء هالك إلا وجهه . ونفخة البعث كما نطق به قوله تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ونفخة الصعق وهي نفخة الفزع بعينها وقد سمعت آيتيهما، ونفخة للإفاقة كما قال تعالى بعد ذكر نفخة الصعق ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وقد عرفت ما في زعم أن نفخة الصعق هي نفخة الفزع [ ص: 32 ] بعينها فتدبر انتهى، وتعقبه بعضهم بأنه يلزم حينئذ على القول بالمغايرة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق أن تكون النفخات خمسا ولم نسمع متنفسا يقول بذلك، وأيضا فيه القول بأن نفخة الصعق بعد نفخة البعث، ويأباه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم «أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش فما أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى»
فإن انشقاق الأرض عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نفخة البعث لا محالة فإذا عقبه رفع رأسه عليه الصلاة والسلام ومفاجأة كون موسى عليه السلام متعلقا بقائمة من قوائم العرش فأين نفخة الصعق. ولا يخفى أن كون النفخات خمسا لم يسمع هو الغالب على الظن ويتوقف قبول ما ذكره ثانيا على صحة ما ذكره من الخبر، ولعل القائل بما تقدم من وراء المنع، وقيل: الأظهر أن النفخات ثلاث: الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت كما هو أحد معنييه المدلول عليها بقوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ، والثانية نفخة البعث المدلول عليها بقوله تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وقوله سبحانه:
ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون والثالثة نفخة الفزع المدلول عليها بما هنا وهي على ما سمعت عن بعد النشر حين تنشق السماوات والأرض. القاضي عياض
وأصله كما قال انقباض ونفار يعتري الشخص من الشيء المخيف والمراد به الرعب الشديد، ولعل الصعق المذكور في حديث الصحيحين هو غشي يترتب عليه بلا واسطة وعلى النفخ بواسطته وقد نص في الأساس على هذا المعنى له قال يقال صعق الرجل إذا غشي عليه من هدة أو صوت شديد يسمعه ويدل على أنه بمعنى الغشي قوله عليه الصلاة والسلام الراغب «فأكون أول من يفيق»
لأن الإفاقة إنما تكون من الغشي دون الموت ولم يعبر هنا بالصعق مرادا به الغشي المذكور في الحديث لئلا يتوهم إرادة معنى الموت منه لخلوه هنا عن القرينة التي في الحديث واقترانه بما يلائم ذلك. وقد يختار ما هو المشهور من أن النفخة اثنتان ويجاب عما يشعر بالزيادة فالنفخة الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت بحال هائلة فبها يموت من في السماوات والأرض من الأحياء قبيل ذلك إلا من شاء الله تعالى، ويدل عليها آية: ونفخ في الصور فصعق إلخ، والنفخة الثانية نفخة البعث المدلول عليها بآية ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وبينهما في المشهور أربعون سنة، وفي الصحيحين عن مرفوعا «أربعون» بدون ذكر التمييز فقيل أربعون يوما فقال أبي هريرة أبيت فقيل أربعون شهرا فقال أبيت فقيل أربعون سنة فقال أبيت، ونفخة الفزع بمعنى الرعب والخوف هي هذه النفخة بعينها ووجه ذلك أنه ينفخ في الصور للبعث فيبعث الخلق وينشرون فإذا تحققوا يوم القيامة وشاهدوا آثار عظمة الله تعالى فزعوا ورعبوا إلا من شاء الله تعالى وترتب الفزع على النفخ بالفاء للإشارة إلى قلة الزمان الفاصل لسرعة تحققهم ومشاهدتهم ما ذكر، والإضافة في قولنا نفخة البعث وقولنا نفخة الفزع من إضافة السبب إلى المسبب إلا أن سببية النفخ للبعث بلا واسطة وسببيته للفزع بواسطة، وحديث الصحيحين أبو هريرة: إلخ ليس فيه سوى إثبات الصعق بمعنى الغشي كما يرشد إليه ذكر الإفاقة للناس يوم القيامة ولا تعرض له لنفخ يترتب عليه ذلك، نعم التعبير بالصعق على ما ذكروا في معناه يقتضي أن يكون هناك هدة أو صوت شديد يسمعه من يسمعه فيغشى عليه إلا أنه لا يعين النفخ لجواز أن يكون ذلك من صوت حادث من انشقاق السماوات الكائن [ ص: 33 ] بعد البعث والفزع من يوم القيامة وما شاهدوا من أهواله. «لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة»
ومنع بعضهم اقتضاءه ذلك لجواز أن يراد به الغشي لحدوث أمر عظيم من أمور يوم القيامة غير النفخ، وقيل: هو من فروع النفخ للبعث وذلك أنه ينفخ فتبعث الخلائق فيتحققون ما يتحققون ويشاهدون ما يشاهدون فيفزعون فيغشى عليهم إلا ما شاء الله تعالى، وحديث الصحيحين مما لا يأبى ذلك واحتياج الإفاقة لنفخة أخرى في حيز المنع وقيل:
في بيان اتحاد نفخة البعث ونفخة الفزع أن المراد بالفزع الإجابة والإسراع للقيام لرب العالمين وقد صرحت الآيات بإسراع الناس عند البعث فقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون وقال سبحانه: يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ولا يخفى بعده واحتياج توجيه الاستثناء بعد عليه إلى تكلف فالأولى أن يوجه الاتحاد بما سبق فتأمل، وإيراد صيغة الماضي مع كون المعطوف أعني ينفخ مضارعا للدلالة على تحقق الوقوع كما في قوله تعالى: فأوردهم النار بعد قوله تعالى: يقدم قومه ووجه تأخير بيان الأحوال الواقعة في ابتداء هذه النفخة عن بيان ما يقع بعد من حشر المكذبين قد تقدم الكلام فيه فتذكر فما في العهد من قدم إلا من شاء الله استثناء متصل كما هو الظاهر من من ومفعول المشيئة محذوف أي إلا من شاء الله تعالى أن لا يفزع، والمراد بذلك على ما قيل: من جاء بالحسنة لقوله تعالى فيهم: وهم من فزع يومئذ آمنون وتعقب بأن الفزع في تلك الآية غير الفزع المراد من قوله سبحانه: ففزع إلخ وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، واختلف الذين حملوا النفخ هنا على النفخة الأولى التي تكون للصعق- أي الموت- في تعيينهم فقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وروي ذلك عن مقاتل والسدي.
وقال هم الولدان والحور العين وخزنة الجنة وحملة العرش. وحكى بعضهم هذين القولين في المراد بالمستثنى على تقدير أن يراد بالنفخ النفخة الثانية وبالفزع الخوف والرعب وأورد عليهما أن حملة العرش ليسوا من سكان السماوات والأرض لأن السماوات في داخل الكرسي ونسبتها إليه نسبة حلقة في فلاة ونسبة الكرسي إلى العرش كهذه النسبة أيضا فكيف يكون حملته في السماوات وكذا الولدان والحور وخزنة الجنة لأن هؤلاء كلهم في الجنة والجنان جميعها فوق السماوات ودون العرش على ما أفصح عنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: الضحاك: «سقف الجنة عرش الرحمن»
فما فيها من الولدان والحور والخزنة لا يصح استثناؤهم ممن في السماوات والأرض وأما جبرائيل ومن معه من الملائكة المقربين عليهم السلام فهم من الصافين المسبحين حول العرش وإذا كان العرش فوق السماوات لا يمكن أن يكون الاصطفاف حوله في السماوات، وأجيب بأنه يجوز أن يراد بالسماوات ما يعم العرش والكرسي وغيرهما من الأجرام العلوية فإنه الأليق بالمقام، وقد شاع استعمال من في السماوات والأرض عند إرادة الإحاطة والشمول.
وقيل: لا مانع من حمل السماوات على السماوات السبع والتزام كون الاستثناء على القولين المذكورين منقطعا ولا يخفى ما فيه، وعد بعضهم ممن استثني موسى عليه السلام، وأنت تعلم أنه لا يكاد يصح إلا إذا أريد بالفزع الصعق يوم القيامة بعد النفخة الثانية، أما إذا أريد به ما يكون في الدنيا عند النفخة الأولى فلا، على أن [ ص: 34 ] عده عليه السلام ممن لا يصعق يوم القيامة بعد قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث الصحيحين السابق يحتاج إلى خبر صحيح وارد بعد ذلك. فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور
وروى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبو هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون. وصححه القاضي أبو بكر بن العربي كما قال وبه رد على من زعم أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، وإلى ذلك ذهب القرطبي ولفظه هم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش وكذا ذهب إليه ابن جبير الحليمي وقال: هو مروي عن رضي الله تعالى عنهما ثم ضعف غيره من الأقوال. وقد ذكره غير واحد من المفسرين إلا أن بعضهم ذكره في تفسير من شاء الله في آية الصعق وبعض آخر ذكره في تفسيره في آية الفزع فتدبر. ابن عباس
وكل أي كل واحد من الفازعين المبعوثين عند النفخة أتوه أي حضروا الموقف بين يدي رب العزة جل جلاله للسؤال والجواب والمناقشة والحساب، وقيل: أي رجعوا إلى أمره تعالى وانقادوا. وضمير الجمع باعتبار معنى (كل) وقرأ أتاه فعلا ماضيا مسندا لضمير (كل) على لفظها. قتادة
وقرأ أكثر السبعة آتوه اسم فاعل داخرين أي أذلاء، وقرأ الحسن دخرين بغير ألف وهو على القراءتين نصب على الحال من ضمير (كل)
والأعمش