وجوز أن يكون فعلا ماضيا بدلا من (قالوا) أو حالا من فاعله بتقدير قد أو بدونها، أي: قالوا متقاسمين، ومقول القول لنبيتنه وأهله ... إلخ، وجوز - على هذا - أن يكون (بالله) من جملة المقول. أبو حيان
والبيات مباغتة العدو ومفاجأته بالإيقاع به ليلا وهو غافل، وأرادوا قتله - عليه السلام - وأهله ليلا وهم غافلون، وعن الإسكندر أنه أشير عليه بالبيات فقال: ليس من آيين الملوك استراق الظفر.
وقرأ ابن أبي ليلى «تقسموا» بغير ألف وتشديد السين، والمعنى كما في قراءة الجمهور، وقرأ الحسن وحمزة «لتبيتنه» بالتاء على خطاب بعضهم لبعض، وقرأ والكسائي ، مجاهد ، وابن وثاب وطلحة «ليبيتنه» بياء الغيبة و(تقاسموا) على هذه القراءة لا يصح إلا أن يكون خبرا بخلافه عن القراءتين الأوليين فإنه يصح أن يكون خبرا كما يصح أن يكون أمرا؛ وذلك لأن الأمر خطاب، والمقسم عليه بعده لو نظر إلى الخطاب وجب تاء الخطاب، ولو نظر إلى صيغة قولهم عند الحلف وجب النون، فأما ياء الغائب فلا وجه له، وأما إذا جعل خبرا فهو على الغائب، كما تقول: (حلف ليفعلن). والأعمش
ثم لنقولن لوليه أي: لولي صالح، والمراد به طالب ثأره من ذوي قرابته إذا قتل، وقرأ «لتقولن» بالتاء من قرأ «لتبيتنه» كذلك، وقرأ «ليقولن» بياء الغيبة من قرأ بها فيما تقدم، وقرأ حميد بن قيس الأول بياء الغيبة وهذا بالنون.
قيل: والمعنى على ذلك قالوا متقاسمين بالله ليبيتنه قوم منا، ثم لنقولن جميعنا لوليه: ما شهدنا مهلك أهله أي: ما حضرنا هلاكهم على أن ( مهلك ) مصدر كمرجع، أو مكان هلاكهم على أنه للمكان، أو زمان هلاكهم على أنه للزمان.
والمراد نفي شهود الهلاك الواقع فيه، واختاروا نفي شهود مهلك أهله على نفي قتلهم إياهم؛ قصدا للمبالغة، كأنهم قالوا: ما شهدنا ذلك فضلا عن أن نتولى إهلاكهم.
ويعلم من ذلك نفي قتلهم صالحا - عليه السلام – أيضا؛ لأن من لم يقتل أتباعه كيف يقتله، وقيل: في الكلام حذف، أي: ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه، واستظهره ثم قال: وحذف مثل هذا المعطوف جائز في الفصيح كقوله تعالى: أبو حيان سرابيل تقيكم الحر أي: والبرد، وقال الشاعر:
فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل
أي: بين الخير وبيني اهـ، وفيه ما لا يخفى.
وقيل: الضمير في (أهله) يعود على الولي، والمراد بأهل الولي صالح وأهله، واعترض بأنه لو أريد أهل الولي لقيل: أهلك أو أهله، ومنع بأن ذلك غير لازم، فقد قرئ: «قل للذين كفروا ستغلبون» بالخطاب والغيبة، ووجه ذلك ظاهر.
نعم، رجوع الضمير إلى الولي خلاف الظاهر كما لا يخفى، وقرأ الجمهور «مهلك» بضم الميم وفتح اللام من (أهلك) وفيه الاحتمالات الثلاث، وقرأ «مهلك» بفتحهما على أنه مصدر. أبو بكر
وإنا لصادقون عطف على (ما شهدنا) كما ذهب إليه ، والمعنى: ونحلف وإنا لصادقون، وجوز أن تكون الواو للحال، أي: والحال إنا لصادقون فيما ذكرنا، واستشكل ادعاؤهم الصدق في ذلك وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن، وأجيب بأن حضور الأمر غير مباشرته في العرف؛ لأنه لا يقال لمن قتل رجلا أنه حضر قتله، وإن كان الحضور لازما للمباشرة، فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الأيمان، وأوهموا الخصم [ ص: 214 ] أنهم أرادوا معناه اللغوي، فهم صادقون غير حانثين، وكونهم من أهل التعارف أيضا لا يضر بل يفيد فائدة تامة، وقال الزجاج : كأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين، ثم قالوا: ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما كانوا صادقين؛ لأنهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما. الزمخشري
وتعقب بأن من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة، وإنما تتم الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا وادعي عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع، ولذا لم يختلف العلماء في أن كان حانثا، بخلاف من من حلف: (لا أضرب زيدا) فضرب زيدا وعمرا فإنه محل خلاف للعلماء في الحنث وعدمه، والحق أن تبرئتهم من الكذب - فيما ذكر - غير لازمة حتى يتكلف لها، وهم الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله - عليه السلام - وارتكبوا ما هو أقبح من الكذب فيما ذكر، ومقصود حلف: (لا أضرب زيدا وعمرا) و(لا آكل رغيفين) فأكل أحدهما، تأييد ما يزعمه هو وقومه من قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل بموافقة قوم الزمخشري صالح عليها، ولا يكاد يتم له ذلك.