وقولهم: أول المؤمنين يحتمل أنهم أرادوا به أول المؤمنين من أتباع فرعون، أو أول المؤمنين من أهل المشهد، أو أول المؤمنين من أهل زمانهم، ولعل الإخبار بكونهم كذلك لعدم علمهم بمؤمن سبقهم بالإيمان، فهو إخبار مبني على غالب الظن، ولا محذور فيه، كذا قيل.
وقيل: أرادوا أول من أظهر الإيمان بالله تعالى وبرسوله عند فرعون كفاحا بعد الدعوة وظهور الآية، فلا يرد مؤمن آل فرعون وآسية، وكذا لا يرد بنو إسرائيل؛ لأنهم- كما في البحر- كانوا مؤمنين قبلهم؛ إما لعدم علم السحرة بذلك أو لأن كلا من المذكورين لم يظهر الإيمان بالله تعالى ورسوله عند فرعون كفاحا بعد الدعوة وظهور الآية، فتأمل.
وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ «إن كنا» بكسر همزة «إن» وخرج على أن (إن) شرطية، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله أي: إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع، وجعل صاحب اللوامح الجواب إنا نطمع المتقدم، وقال: [ ص: 81 ] جاز حذف الفاء منه لتقدمه، وهو مبني على مذهب الكوفيين وأبي زيد ، حيث يجوزون تقديم جواب الشرط، وعلى هذا فالظاهر أنهم لم يكونوا متحققين بأنهم أول المؤمنين، وقيل: كانوا متحققين ذلك لكنهم أبرزوه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره؛ تمليحا وتضرعا لله تعالى، وفي ذلك هضم النفس والمبالغة في تحري الصدق، والمشاكلة مع (نطمع) على ما هو الظاهر فيه، وجوز والمبرد أن تكون (إن) هي المخففة من الثقيلة، ولا يحتاج إلى اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون فلا احتمال للنفي، وقد ورد مثل ذلك في الفصيح ففي الحديث: « أبو حيان » وقال الشاعر: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العسل
ونحن أباة الضيم من آل وإن مالك كانت كرام المعادن مالك
وعلى هذا الوجه يكونون جازمين بأنهم أول المؤمنين أتم جزم، واختلف في أن فرعون هل فعل بهم ما أقسم عليه أو لا؟ والأكثرون على أنه لم يفعل لظاهر قوله تعالى: أنتما ومن اتبعكما الغالبون وبعض هؤلاء زعم أنهم لما سجدوا رأوا الجنات والنيران وملكوت السماوات والأرض، وقبضت أرواحهم وهم ساجدون، وظواهر الآيات تكذب أمر الموت في السجود، وأما رؤية أمر ما ذكر فلا جزم عندي بصدقه، والله تعالى أعلم.