قال فرعون مستفهما عن المرسل سبحانه وما رب العالمين وتحقيق ذلك - على ما قال العلامة الطيبي - أنه - عز وجل - لما أمرهما بقوله سبحانه: فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل فلا بد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين، فلما أديت عنده اعترض أولا بقوله: ألم نربك فينا وليدا إلى آخره، وثانيا بقوله: وما رب العالمين ولذلك جيء بالواو العاطفة، وكرر قال للطول، فكأنه قال: أأنت الرسول وما رب العالمين؟ وقال : إن اللعين لما قال له بوابه: إن هاهنا من يزعم أنه رسول رب العالمين! قال له عند دخوله: وما رب العالمين؟ واعترض بأنه نظم مختل لسبق المقاولة بينهم، كما أشار إليه هو في سابق كلامه، وانتصر له صاحب الكشف فقال: أراد أنه تعالى ذكر مرة: (فقولا إنا رسولا ربك أن أرسل) وأخرى: (فقولا إنا رسول رب العالمين) والقصة واحدة والمجلس واحد، فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه - عليه السلام - والأول ما خاطبه به موسى - عليه السلام – مشافهة، وأن اللعين أخذ أولا في الطعن فيه - وإن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلا عما ادعاه - وثانيا في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه، انتهى. الزمخشري
وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين، وأن فرعون سأل أولا بقوله: فمن ربكما يا موسى وسأل ثانيا بقوله: وما رب العالمين وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل - جل وعلا - أولا وهو سورة طه، والثاني فيما أنزله سبحانه ثانيا وهو سورة الشعراء، فقد روي عن أن سورة طه نزلت، ثم الواقعة، ثم طسم الشعراء. ابن عباس
وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا: إنا رسول رب العالمين والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرة الأولى بقوله: فمن ربكما طلبا للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب، خلافا للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم، وأخرى بـ(ما رب العالمين) طلبا للماهية والحقيقة انتقالا لما هو أصعب؛ ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسبما قص الله تعالى بعد.
و(ما) يسأل بها عن الحقيقة مطلقا، سواء كان المسؤول عن حقيقته من أولي العلم أو لا، فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذ أن يقال: (من رب العالمين)؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له - عز وجل - عبر بـ(ما) ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.
[ ص: 72 ]