وانتصاب (رياء) إما على أنه علة ل (ينفق) أي لأجل ريائهم; أو على أنه حال من فاعله أي ينفق ماله مرائيا، وجعله نعتا لمصدر محذوف أي إنفاقا رياء الناس ليس بشيء، وقريب منه جعل الجار حالا من ضمير المصدر المقدر لأنه لا يتمشى إلا على رأي وأصل رياء رئاء فالهمزة الأولى عين الكلمة والثانية بدل من ياء هي لام لأنها وقعت طرفا بعد ألف زائدة، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة، وقد قرأ به سيبويه، الخزاعي والشموني وغيرهما، والمفاعلة في فعله عند السمين على بابها لأن المرائي يري الناس أعماله والناس يرونه الثناء عليه والتعظيم له; والمراد من الموصول ما يشمل المؤمن والكافر كما قيل، وغالب المفسرين على أن المراد به المنافق لقوله تعالى: ولا يؤمن بالله واليوم الآخر حتى يرجو ثوابا أو يخشى عقابا.
فمثله أي المرائي في الإنفاق، والفاء لربط ما بعدها بما قبلها كمثل صفوان أي حجر كبير أملس وهو جمع صفوانة أو صفاء أو اسم جنس ورجح بعود الضمير إليه مفردا في قوله تعالى: عليه تراب أي شيء يسير منه فأصابه وابل أي مطر شديد الوقع، والضمير للصفوان وقيل: للتراب.
فتركه صلدا أي أملس ليس عليه شيء من الغبار أصلا، وهذا التشبيه يجوز أن يكون مفرقا فالنافق المنافق كالحجر في عدم الانتفاع ونفقته كالتراب لرجاء النفع منهما بالأجر والإنبات، ورياؤه كالوابل المذهب له سريعا الضار من حيث يظن النفع ولو جعل مركبا لصح، وقيل: إنه هو الوجه، والأول ليس بشيء. لا يقدرون على شيء مما كسبوا أي لا يجدون ثواب شيء مما أنفقوا رياء ولا ينتفعون به قطعا، والجملة مبينة لوجه الشبه أو استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل: لا يقدرون، وجعلها حالا من (الذي) كما قال السمين مهزول من القول كما لا يخفى، والضمير راجع إلى الموصول باعتبار المعنى بعد ما روعي لفظه إذ هو صفة لمفرد لفظا مجموع معنى كالجمع والفريق، أو هو مستعمل للجمع كما في قوله تعالى: وخضتم كالذي خاضوا على رأي، وقوله:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقيل: إن من والذي يتعاقبان فعومل هنا معاملته، ولا يخفى بعده، ورجوع الضمير إلى (الذين آمنوا) من قبل الالتفات مما لا يلتفت إليه.والله لا يهدي القوم الكافرين [ 264 ] إلى ما ينفعهم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله، وفيه تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفات الكفار ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها.