وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار لتحسوا بها الآيات التنزيلية والتكوينية والأفئدة لتتفكروا [ ص: 57 ] بها في الآيات وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع، وقدم السمع لكثرة منافعه، وأفرد لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر، وقيل: أفرد لأنه يدرك به نوع واحد من المدركات وهو الأصوات بخلاف البصر فإنه يدرك به الأضواء والألوان والأكوان والأشكال وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك به أنواع شتى من التصورات والتصديقات. وفي الآية إشارة إلى الدليل الحسي والعقلي، وتقديم ما يشير إلى الأول قد تقدم فتذكر فما في العهد من قدم قليلا ما تشكرون أي شكرا قليلا تشكرون تلك النعم الجليلة لأن العمدة في الشكر صرف تلك القوى التي هي في أنفسها نعم باهرة إلى ما خلقت هي له فنصب قليلا على أنه صفة مصدر محذوف، والقلة على ظاهرها بناء على أن الخطاب للناس بتغليب المؤمنين، وجوز أن تكون بمعنى النفي بناء على أن الخطاب للمشركين على سبيل الالتفات، وقيل: هو للمؤمنين خاصة وليس بشيء، والأولى عندي للمشركين خاصة مع جواز كون القلة على ظاهرها كما لا يخفى على المتدبر وما علا سائر الأقوال مزيدة للتأكيد.