لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
لا يرتضيه الذوق السليم، كالقول بأن الكلام من باب المبالغة في امتناع خداعهم لله تعالى وللمؤمنين، لأنه كما لا يخفى خداع المخادع لنفسه، فيمتنع خداعه لها، يمتنع خداع الله تعالى لعلمه، والمؤمنون لاطلاعهم بإعلامه تعالى، أو الكناية عن أن مخالفتهم ومعاداتهم لله تعالى وأحبابه معاملة مع أنفسهم، لأن الله تعالى والمؤمنين ينفعونهم كأنفسهم، [ ص: 148 ] وبعضهم يجعل التعبير هنا بالمخادعة للمشاكلة، مع كون كل من المشاكل والمشاكل مجازا، وكل يعمل على شاكلته، (والنفس) حقيقة الشيء، وعينه، ولا اختصاص لها بالأجسام لقوله تعالى : كتب على نفسه الرحمة ويحذركم الله نفسه وتطلق على الجوهر اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، وسماها الحكيم الروح الحيوانية، وأول عضو تحله القلب، إذ هو أول ما يخلق على المشهور، ومنه تفيض إلى الدماغ، والكبد، وسائر الأعضاء، ولا يلزم من ذلك أن يكون منبت الأعصاب، إذ من الجائز أن يكون العضو المستفيد منبتا لآلة الاستفادة، وقيل : الدماغ، لأنه المنبت ولم تقم دلالة قطعية على ذلك، كما في شرح القانون للإمام البخاري ، وكثيرا ما تطلق على الجوهر المجرد المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وهي الروح الأمرية، المرادة فيمن عرف نفسه فقد عرف ربه، وتسمى النفس الناطقة وبتنوع صفاتها تختلف أسماؤها، وأحظى الأعضاء بإشراق أنوارها المعنوية القلب أيضا، ولذلك الشرف قد يسمى نفسا، وبعضهم يسمي الرأي بها، والظاهر في الآية على ما قيل : المعنى الأول، إذ المقصود بيان أن ضرر مخادعتهم راجع إليهم، ولا يتخطاهم إلى غيرهم، وليس بالمتعين كما لا يخفى، وتطلق على معان أخر ستسمعها مع تحقيق هذا المبحث إن شاء الله تعالى. الرازيوجملة وما يشعرون مستأنفة أو معطوفة على وما يخدعون إلا أنفسهم ومفعول (يشعرون) محذوف أي: وما يشعرون أنهم يخدعونها، أو أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، أو إطلاع الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم على خداعهم وكذبهم، كما روي ذلك عن ، أو هلاك أنفسهم، وإيقاعها في الشقاء الأبدي بكفرهم ونفاقهم، كما روي عن زيد أو المراد: لا يشعرون بشيء، ويحتمل كما في البحر أن يكون ابن عباس وما يشعرون جملة حالية أي: وما يخدعون إلا أنفسهم غير شاعرين بذلك، ولو شعروا لما خادعوا، والشعور الإدراك بالحواس الخمس الظاهرة، ويكون بمعنى العلم قال : شعرت كذا، يستعمل بوجهين، بأن يؤخذ من مس الشعر ويعبر عنه عن اللمس، ومنه استعمل المشاعر للحواس، فإذا قيل : فلان لا يشعر، فذلك أبلغ في الذم من أنه لا يسمع، ولا يبصر، لأن حس اللمس أعم من حس السمع والبصر، وتارة يقال : شعرت كذا، أي أدركت شيئا دقيقا من قولهم: شعرته أي أصبت شعره نحو أذنته، ورأسته، وكان ذلك إشارة إلى قولهم: فلان يشق الشعر، إذا دق النظر، ومنه أخذ الشاعر لإدراك دقائق المعاني انتهى، والآية تحتمل نفي الشعور بمعنى العلم، فمعنى الراغب لا يشعرون لا يعلمون، وكثيرا ما ورد بهذا المعنى، وفي اللحاق نوع إشارة إليه، ويحتمل نفيه بمعنى الإدراك بالحواس، فيجعل متعلق الفعل كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على فاقد الحواس، ونفي ذلك نهاية الذم، لأن من لا يشعر بالبديهي المحسوس مرتبته أدنى من مرتبة البهائم، فهم كالأنعام بل هم أضل، ولعل هذا أولى لما فيه من التهكم بهم، مع الدلالة على نفي العلم بالطريق الأولى، وهو أيضا أنسب بقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة كما لا يخفى