فقلنا عقيب ذلك اعتناء بنصح آدم عليه السلام يا آدم إن هذا الذي رأيت منه ما رأيت عدو لك ولزوجك أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور . وقيل : أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعا . وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر . وأما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه . إن كون الشيء لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام .
وقد صرح السيد السند في شرح المفتاح في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك ، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه ، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد ، وقيل : كونه شيخا جاهلا وكون آدم عليه السلام شابا عالما ، والشيخ الجاهل يكون أبدا عدوا للشاب العالم بل الجاهل مطلقا عدو للعالم كذلك كما قيل : والجاهلون لأهل العلم أعداء وقيل : تنافي الأصلين [ ص: 271 ] فإن اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه ، وقد ذكر جميع ذلك الإمام . الرازي
فلا يخرجنكما أي فلا يكونن سببا لإخراجكما من الجنة وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى : فلا يكن في صدرك حرج والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الإخبار بها فتشقى أي فتتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه ، وقيل : المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادئ المعاش وهو من وظائف الرجال ، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد . وجماعة عن وابن عساكر قال : ( إن سعيد بن جبير آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له : اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : هذا ما وعدني ربي فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ثم نادى حواء: حواء أنت عملت بي هذا فليس من ولد آدم أحد يعمل على ثور إلا قال : حو دخلت عليهم من قبل آدم عليه السلام ، وكذا أيد بالآية بعد وفيه تأمل ، ولعل القول بالعموم أولى ، و ( تشقى ) يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي ، ويحتمل أن يكون مرفوعا على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى ، واستبعد هذا بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد إن وقع الإخراج حصل ذلك .