فتعالى الله استعظام له تعالى ولما صرف في القرآن من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وغير ذلك وتنزيه لذاته المتعالية أن لا يكون إنزال قرآنه الكريم منتهيا إلى غاية الكمالية من تسببه لترك من أنزل عليهم المعاصي ، ولفعلهم الطاعات وفيه تعجيب واستدعاء للإقبال عليه وعلى تعظيمه ، وفي وصفه تعالى بقوله [ ص: 268 ] سبحانه الملك أي : المتصرف بالأمر والنهي الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ما يدل على أن قوارع القرآن سياسات إلهية يتضمن صلاح الدارين لا يحيد عنها إلا مخذول هالك ، وقوله تعالى الحق صفة بعد صفة لله تعالى أي الثابت في ذاته وصفاته عز وجل ، وفسره بموجد الشيء على ما تقتضيه الحكمة . الراغب
وجوز غير واحد كونه صفة للملك ومعناه خلاف الباطل أي الحق في ملكيته يستحقها سبحانه لذاته ، وفيه إيماء إلى أن القرآن وما تضمنه من الوعد والوعيد حق كله لا يحوم حول حماه الباطل بوجه، وأن المحق من أقبل عليه بشرا شره وأن المبطل من أعرض عن تدبر زواجره ، وفيه تمهيد لوصل النهي عن العجلة به في قوله سبحانه ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك أي : يتم وحيه أي : تبليغ جبريل عليه السلام إياه فإن من حق الإقبال ذلك وكذلك من حق تعظيمه .
وذكر الطيبي أن هذه الجملة عطف على قوله تعالى فتعالى الله الملك الحق لما فيه من إنشاء التعجب فكأنه قيل حيث نبهت على عظمة جلالة المنزل وأرشدت إلى فخامة المنزل فعظم جنابه الملك الحق المتصرف في الملك والملكوت ، وأقبل بكلك على تحفظ كتابه وتحقق مبانيه ولا تعجل به ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليه جبريل عليه السلام القرآن يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة خوفا أن يصعد عليه السلام ولم يحفظه صلى الله عليه وسلم فنهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك إذ ربما يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها ، ونزل عليه أيضا لا تحرك به لسانك لتعجل به الآية ، وأمر صلى الله تعالى عليه وسلم باستفاضة العلم واستزادته منه سبحانه فقيل : وقل أي في نفسك رب زدني علما أي : سل الله عز وجل بدل الاستعجال زيادة العلم مطلقا أو في القرآن فإن تحت كل كلمة بل كل حرف منه أسرارا ورموزا وعلوما جمة وذلك هو الأنفع لك ، وقيل : وجملة ولا تعجل مستأنفة ذكرت بعد الإنزال على سبيل الاستطراد ، وقيل : إن ذلك نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه وليس بذاك ، فإن تبليغ المجمل وتلاوته قبل البيان مما لا ريب في صحته ومشروعيته .
ومثله ما قيل : إنه نهي عن الأمر بكتابته قبل أن تفسر له المعاني وتتقرر عنده عليه الصلاة والسلام بل هو دونه بكثير ، وقيل : إنه نهي عن الحكم بما من شأنه أن ينزل فيه قرآن بناء على ما أخرج جماعة عن الحسن الرجال قوامون على النساء ، وقال أن امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها لطمها فقال لها : بينكما القصاص فنزلت هذه الآية فوقف صلى الله عليه وسلم حتى نزل : إنه نهي عن العجلة بطلب نزوله . وذلك الماوردي أن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة بين اليهود وزعموا أنه عليه الصلاة والسلام قد غلب فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، واستعجل الوحي فنزلت ولا تعجل إلخ وفي كلا القولين ما لا يخفى .
وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة وسلام ويعقوب والزعفراني ( نقضي ) بنون العظمة مفتوح الياء ( وحيه ) بالنصب . وقرأ وابن مقسم كذلك إلا أنه سكن الياء من ( نقضي ) ، قال صاحب اللوامح : وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا ، واستدل بالآية على الأعمش حيث أمر صلى الله عليه وسلم بطلب زيادته ، وذكر بعضهم أنه ما أمر عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة [ ص: 269 ] في شيء إلا العلم . فضل العلم
وأخرج الترمذي عن وابن ماجه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أبي هريرة ) . وأخرج اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال . سعيد بن منصور عن وعبد بن حميد أنه كان يدعو ( اللهم زدني إيمانا وفقها ويقينا وعلما ) وما هذا إلا لزيادة فضل العلم، وفضله أظهر من أن يذكر ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا الزيادة فيه ويوفقنا للعمل بما يقتضيه. ابن مسعود