زين للذين كفروا الحياة الدنيا أي: أوجدت حسنة وجعلت محبوبة في قلوبهم، فتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار، وأعرضوا عما سواها، ولذا أعرض أهل الكتاب عن الآيات وبدلوها، وفاعل التزيين بهذا المعنى حقيقة هو الله - تعالى -، وإن فسر بالتحسين بالقول ونحوه من الوسوسة، كما في قوله تعالى: لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم كان فاعل ذلك هو الشيطان، والآية محتملة لمعنيين، والتزيين حقيقة فيهما على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب. ويسخرون من الذين آمنوا الموصول للعهد، والمراد به فقراء المؤمنين كصهيب وبلال وعمار؛ أي: يستهزءون بهم على رفضهم الدنيا وإقبالهم على العقبى، و من للتعدية، وتفيد معنى الابتداء، كأنهم جعلوا لفقرهم ورثاثة حالهم منشأ للسخرية، وقد يعدى السخر بالباء، إلا أنها لغة رديئة، والعطف على زين وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار، وجوز أن تكون الواو للحال، ( ويسخرون ) خبر لمحذوف؛ أي: وهم يسخرون، والآية نزلت في أبي جهل وأضرابه من رؤساء قريش، بسطت لهم الدنيا، وكانوا يسخرون من فقراء المؤمنين، ويقولون: لو كان محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - نبيا لاتبعه أشرافنا، وروي ذلك عن - رضي الله تعالى عنه - وقيل: نزلت في ابن عباس ابن أبي بن سلول، وقيل: في رؤساء اليهود، ومن بني قريظة والنضير وقينقاع، سخروا من فقراء المهاجرين. وعن لا مانع من نزولها في جميعهم. عطاء: والذين اتقوا هم الذين آمنوا بعينهم، وآثر التعبير به مدحا لهم بالتقوى وإشعارا بعلة الحكم، ويجوز أن يراد العموم، ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا.
فوقهم يوم القيامة مكانا؛ لأنهم في عليين، وأولئك في أسفل السافلين، أو مكانة؛ لأنهم في أوج الكرامة، وهم في حضيض الذل والمهانة، أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة، فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا، والجملة معطوفة على ما قبلها، وإيثار الاسمية للدلالة على دوام مضمونها، وفي ذلك من تسلية المؤمنين ما لا يخفى، والله يرزق في الآخرة من يشاء بغير حساب 212 أي: بلا نهاية لما يعطيه، وقال - رضي الله تعالى عنه - : هذا الرزق في الدنيا، وفيه إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزأ بهم أموال ابن عباس بني قريظة والنضير، ويجوز أن يراد في الدارين، فيكون تذييلا لكلا الحكمين.