وقوله تعالى : إنما نعد لهم عدا تعليل لموجب النهي ببيان اقتراب هلاكهم فإنه لم يبق لهم إلا أيام وأنفاس نعدها عدا أي قليلة كما قيل في قوله تعالى : دراهم معدودة ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة أي يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله عز وجل ، وقيل : إن التعليل بما ذكر دل أن أنفاسهم وأيامهم تنتهي بانتهاء العد ولا شك أنها على كثرتها يستوفي إحصاؤها في سرعة، فعبر بهذا المعنى عن القليل فكأنه قيل : ليس بينك وبين هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت ، وهذا ليس مبنيا على أن كل ما يعد فهو قليل انتهى ، والأول هو الظاهر وهذا أبعد مغزى ، وعن رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخول قبرك ، وعن ابن عباس ابن السماك أنه كان عند المأمون فقرأها فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد ولله تعالى در من قال :
إن الحبيب من الأحباب مختلس لا يمنع الموت بواب ولا حرس وكيف يفرح بالدنيا ولذتها
فتى يعد عليه اللفظ والنفس