وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
لأن أداة الشرط إذا لم تؤثر في الشرط ظاهرا مع قربه جاز أن لا تؤثر في الجواب مع بعده، وهذا القول خلاف مذهب ومذهب الكوفيين سيبويه كما فصل في موضعه، ولا يجوز عند البصريين مع وجود هذه اللام جعل المذكور جواب الشرط خلافا للفراء، وأما قول والمبرد الأعشى:
لئن منيت بنا عن غب معركة لا تلفنا عن دماء الخلق ننتفل
فاللام ليست الموطئة بل هي زائدة على ما قيل فافهم، وحيث كان المراد بالاجتماع على الإتيان بمثل القرآن مطلق الاتفاق على ذلك سواء كان التصدي للمعارضة من كل واحد منهم على الانفراد أو من المجموع بأن يتألبوا على تلفيق كلام واحد بتلاحق الأفكار وتعاضد الأنظار قال سبحانه: ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا أي: معينا في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله، والجملة عطف على مقدر؛ أي: لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم [ ص: 167 ] لبعض ظهيرا، ولو كان... إلخ. وهي في موضع الحال كالجملة المحذوفة، والمعنى: لا يأتون بمثله على كل حال مفروض ولو في مثل هذه الحال المنافية لعدم الإتيان به فضلا عن غيرها وفيه رد لليهود أو قريش في زعمهم الإتيان بمثله.
فقد روي أن طائفة من الأولين قالوا: أخبرنا يا محمد بهذا الحق الذي جئت به أحق من عند الله تعالى فإنا لا نراه متناسقا كتناسق التوراة فقال صلى الله عليه وسلم لهم: «أما والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله تعالى. قالوا: إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وفي رواية: أن جماعة من قريش قالوا له صلى الله عليه وسلم: جئنا بآية غريبة غير هذا القرآن فإنا نحن نقدر على المجيء بمثله فنزلت.
ولعل مرادهم بهذه الآية الغريبة ما تضمنه الآيات بعد وهي قوله تعالى: وقالوا لن نؤمن لك إلخ وحينئذ قيل: يمكن أن تكون هذه الآية مع الآيات الأخر رد لجميع ما عنوه بهذا الكلام إلا أنه ابتدأ برد قولهم: نحن نقدر إلخ اهتماما به فإن قولهم ذلك منشأ طلبهم الآية الغريبة.
وفي إرشاد العقل السليم أن في هذه الآية حسم أطماعهم الفارغة في روم تبديل بعض آياته ببعض ولا مساغ لكونها تقريرا لما قبلها من قوله تعالى: ثم لا تجد لك به علينا وكيلا كما قيل لكن لا لما قيل من أن الإتيان بمثله أصعب من استرداد عينه ونفي الشيء إنما يقرره نفي ما دونه دون نفي ما فوقه لأن أصعبية الاسترداد بغير أمره تعالى من الإتيان المذكور مما لا شبهة فيه، بل لأن الجملة القسمية ليست مسوقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل إلى المكابرين من قبله عليه الصلاة والسلام انتهى، ومنه يعلم ما في قول بعضهم في وجه التقرير: أن عدم قدرة الثقلين على رده بعد إذهابه مساو لعدم قدرتهم على مثله لأن رده بعينه غير ممكن لعدم وصولهم إلى الله تعالى شأنه فلم يبق إلا رده بمثله فصرح بنفيه تقريرا له من النظر وعدم الجدوى، هذا واستدل صاحب الكشاف بإعجاز القرآن على حدوثه؛ إذ لو كان قديما لم يكن مقدورا فلا يكون معجزا كالمحال، وتعقبه في الكشف بأنه لا نزاع في حدوث النظم وإن تحاشى أهل السنة من إطلاق المخلوق عليه للإيهام وهو المعجز إنما النزاع في المعبر بهذه العبارة المعجزة وهو المسمى بالكلام النفسي فهو استدلال لا ينفعه، وذكر نحوه ابن المنير.
وقال صاحب التقريب: الجواب منع الملازمة إذ مصحح المقدورية الإمكان وهو حاصل لا الحدوث، وأيضا المعجز لفظه ولا يقال بقدمه والقديم كلام النفس ولا يقال بإعجازه، وأيضا سلمنا أن القديم لا يقدر البشر على عينه لكن لم لا يقدر على مثله، واختار العلامة الطيبي هذا الأخير في الجواب، وقد ذكرنا في المقدمات من الكلام ما ينفعك في هذا المقام فتدبر، والله تعالى ولي الإنعام ومسدد الأفهام.