ولا تقربوا الزنا بمباشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلا عن مباشرته، والنهي عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق للمبالغة في النهي عن نفسه، ولأن قربانه داع إلى مباشرته، وفسره بوطء المرأة من غير عقد شرعي، وجاء فيه المد والقصر، وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة، وتوسيط النهي عنه بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس المحرمة مطلقا كما قال الراغب شيخ الإسلام باعتبار أنه قتل للأولاد لما أنه تضييع للأنساب فإن من لم يثبت نسبه ميت حكما.
إنه كان فاحشة فعلة ظاهرة القبح زائدته وساء سبيلا أي: وبئس السبيل سبيلا لما فيه من اختلال أمر الأنساب وهيجان الفتن.
وقد روى الشيخان وغيرهما عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».
وجاء في غير رواية على ما أجمع عليه المحققون بل في الحديث الصحيح أنه بحليلة الجار من أكبر الكبائر، وزعم أنه إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة، فإن تاب ونزع رجع إليه وهو من الكبائر، وفاحشة مطلقا الحليمي أنه فاحشة إن كان بحليلة الجار أو بذات الرحم أو بأجنبية في شهر رمضان أو في البلد الحرام وكبيرة وإن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر والإكراه، وإذا لم يوجب حدا يكون صغيرة، ولا يخفى رده وضعف مبناه، والآية ظاهرة في أنه فاحشة مطلقا، نعم أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار، وقال بعضهم: أعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم.
فقد صحح أنه صلى الله عليه وسلم قال: الحاكم «من وقع على ذات محرم فاقتلوه».
وزنا الثيب أقبح من زنا البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من زنا القن والجاهل، وهل هو أكبر من اللواط أم لا؟ فيه خلاف وفي الإحياء أنه أكبر منه لأن الشهوة داعية إليه من [ ص: 68 ] الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضرر، ومنه اختلاط الأنساب بكثرته، وقد يعارض بأن حده أغلظ بدليل قول وآخرين برجم اللوطي ولو غير محصن بخلاف الزاني. وقد يجاب بأن المفضول قد يكون فيه مزية، وفيه ما فيه. وبالغ بعضهم فقال: إنه مطلقا يلي الشرك في الكبر، والأصح أن الذي يلي الشرك هو القتل ثم الزنا، وخبر الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الإسلام الظاهر كما قال مالك ابن حجر الهيتمي أنه لا أصل له.
نعم روى الطبراني وغيرهما: الغيبة أشد من الزنا. والبيهقي
إلا أن له ما يبين معناه وهو ما رواه ابن أبي الدنيا عن وأبو الشيخ جابر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما: إياكم والغيبة؛ فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل ليزني فيتوب الله تعالى عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.
فعلم منه أن أشدية الغيبة من الزنا ليست على الإطلاق بل من جهة أن التوبة الباطنة المستوفية لجميع شروطها من الندم من حيث المعصية والإقلاع وعزم أن لا يعود مع عدم الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها مكفرة لإثم بمجردها بخلاف الغيبة فإن التوبة وإن وجدت فيها هذه الشروط لا تكفرها بل لا بد وأن ينضم إليها استحلال صاحبها مع عفوه فكانت الغيبة أشد من هذه الحيثية لا مطلقا، فلا يعكر الحديث على الأصح، وعلم منه أيضا أن الزنا لا يحتاج في التوبة منه إلى استحلال وهو ما صرح به غير واحد من المحققين وهو مع ذلك من الحقوق المتعلقة بالآدمي كيف لا وهو من الجناية على الأعراض والأنساب. ومعنى قولهم: إن الزنا لا يتعلق به حق آدمي أي من المال ونحوه وعدم اشتراط الاستحلال لا يدل على أنه ليس من الحقوق المتعلقة بالآدمي مطلقا، وإنما لم يشترط الاستحلال لما يترتب على ذكره من زيادة العار والظن الغالب بأن نحو الزوج أو القريب إذا ذكر له ذلك يبادر إلى قتل الزاني أو المزنى بها أو إلى قتلهما معا، ومع ما ذكر كيف يمكن القول باشتراطه، وقد صرح بنحو ذلك حجة الإسلام الزنا في منهاج العابدين فقال في ضمن تفصيل قال الغزالي إنه في غاية الحسن والتحقيق، أما الذنب في الحرم فإن خنته في أهله وولده فلا وجه للاستحلال، والإظهار لأنه يولد فتنة وغيظا بل تتضرع إلى الله سبحانه ليرضيه عنك ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته، فإن أمنت الفتنة والهيج وهو نادر فتستحل منه، وقد قال الأذرعي: في مواضع في الحسد والتوبة منه: الأذرعي
ويشبه أن يحرم الإخبار به إذا غلب على ظنه أن لا يحلله وأنه يتولد منه عداوة وحقد وأذى للمخبر، ثم قال: ويجوز أن ينظر إلى المحسود، فإن كان حسن الخلق بحيث يظن أنه يحلله تعين إخباره ليخرج من ظلامته بيقين، وإن غلب على ظنه أن إخباره يجر شرا وعداوة حرم إخباره قطعا، وإن تردد فالظاهر ما ذكره النووي من عدم الوجوب والاستحباب؛ فإن النفس الزكية نادرة، وربما جر ذلك شرا وعداوة، وإن حلله بلسانه اه، فإذا كان هذا في الحسد مع سهولته عند أكثر الناس وعدم مبالاتهم به ومن ثم أطلق النووي عدم الإخبار فقال: المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود بل لا يستحب ولو قيل يكره لم يبعد فما بالك في الزنا المستلزم أن الزوج والقريب يقتل فيه بمجرد التوهم فكيف مع التحقق ويعلم من الأخبار أن ثمرات الزنا قبيحة؛ منها أنه يورد النار والعذاب الشديد، وأنه يورث الفقر وذهاب البهاء وقصر العمر، وأنه يؤخذ بمثله من ذرية الزاني، ولما قيل لبعض الملوك ذلك أراد تجربته بابنة له وكانت غاية في الحسن فأنزلها مع امرأة وأمرها أن لا تمنع أحدا أراد التعرض لها بأي شيء شاء، وأمرها بكشف وجهها فطافت بها في الأسواق فما مرت على أحد إلا وأطرق حياء وخجلا منها، فلما طافت بها المدينة كلها ولم يمد أحد نظره إليها رجعت بها إلى دار الملك فلما أرادت الدخول أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها فأدخلتها على الملك وذكرت له القصة [ ص: 69 ] فسجد شكرا وقال:
الحمد لله تعالى ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة وقد قوصصت بها، نسأل الله سبحانه أن يعصمنا وذرارينا ومن ينسب إلينا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقرأ كما أخرجه عنه أبي بن كعب «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا من تاب فإن الله كان غفورا رحيما» فذكر ابن مردويه: رضي الله تعالى عنه فأتاه فسأله فقال: أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لك عمل إلا الصفق بالنقيع لعمر وهذا إن صح كان قبل العرضة الأخيرة