هذا ( ومن باب الإشارة في الآيات ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا قال
ابن عطاء : أراد عليه السلام أن يجعل سبحانه قلبه آمنا من الفراق والحجاب وقيل : اجعل بلد قلبي ذا أمن بك عنك
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام من المرغوبات الدنية والمشتهيات الحسية .
وقال
جعفر رضي الله تعالى عنه : أراد عليه السلام لا تردني إلى مشاهدة الخلة ولا ترد أولادي إلى مشاهدة النبوة وعنه أنه قال : أصنام الخلة خطرات الغفلة ولحظات المحبة وفي رواية أخرى أنه عليه السلام كان آمنا من عبادة الأصنام في كبره وقد كسرها في صغره لكنه علم أن هوى كل إنسان صنمه فاستعاذ من ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس سره : أي امنعني وبني أن نرى لأنفسنا وسيلة إليك غير الافتقار وقيل : كل ما وقف العارف عليه غير الحق سبحانه فهو صنمه وجاء النفس هو الصنم الأكبر
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس بالتعلق بها والانجذاب إليها والاحتجاب بها عنك سبحانك
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فمن تبعني في طريق المجاهدة والخلة ببذل الروح بين يديك
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فإنه مني طينته من طينتي وقلبه من قلبي وروحه من روحي وسره من سري ومشربه في الخلة من مشربي
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36ومن عصاني وفعل ما يقتضي الحجاب عنك
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فإنك غفور رحيم فلا أدعو عليه وأفوض أمره إليك قيل : إن هذا منه عليه السلام دعاء للعاصي بستر ظلمته بنوره تعالى ورحمته جل شأنه إياه بإفاضة الكمال عليه بعد المغفرة ومن كلام نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .
وفي أسرار التأويل أنه عليه السلام أشار بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36ومن عصاني إلى مقام الجمع ولذا لم يقل : ومن عصاك ويجوز أن يقال : إنما أضاف عصيانهم إلى نفسه لأن عصيان الخلق للخالق غير ممكن وما من دابة إلا وربي آخذ بناصيتها فهم في كل أحوالهم مجيبون لداعي ألسنة مشيئته سبحانه وإرادته القديمة وسئل عبد العزيز المكي لم لم يقل الخليل ومن عصاك فقال لأنه عظم ربه عز وجل وأجله من أن يثبت أن أحدا يجترئ على معصيته سبحانه وكذا أجله سبحانه من أن يبلغ أحد مبلغ ما يليق بشأنه عز شأنه من طاعته حيث قال
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فمن تبعني .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم قيل : إن من عادة الله تعالى أن يبتلي خليله بالعظائم لينزعه عن نفسه وعن جميع الخليقة لئلا يبقى بينه وبينه حجاب من الحدثان فلذا أمر جل شأنه هذا
الخليل أن يسكن من ذريته في وادي الحرم بلا ماء ولا زاد لينقطع إليه ولا يعتمد إلا عليه عز وجل وناداه باسم الرب طمعا في تربية عياله وأهله بألطافه وإيوائهم إلى جوار كرامته
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا ليقيموا الصلاة التي يصل العبد بها إليك ويكون مرآة تجليك
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم تميل بوصف الإرادة والمحبة ليسلكوهم إليك ويدلوهم عليك قال
ابن عطاء من انقطع عن الخلق بالكلية صرف الله تعالى إليه وجوه الخلق وجعل مودته في صدورهم ومحبته في
[ ص: 260 ] قلوبهم وذلك من دعاء الخليل عليه السلام لما قطع أهله عن الخلق والأسباب قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات قيل : أي ثمرات طاعتك وهي المقامات الرفيعة والدرجات الشريفة .
وقال
الواسطي : ثمرات القلوب وهي أنواع الحكمة ورئيس الحكمة رؤية المنة والعجز عن الشكر على النعمة وهو الشكر الحقيقي ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37لعلهم يشكرون أي يعلمون أنه لا يتهيأ لأحد أن يقوم بشكرك وثمرة الحكمة تزيل الأمراض عن القلوب كما أن ثمرة الأشجار تزيل أمراض النفوس وقيل : أي ارزقهم الأولاد الأنبياء والصلحاء وفيه إشارة إلى دعوته بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم المعنى له بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129ربنا وابعث فيهم رسولا وأي الثمرات أشهى من أصفى الأصفياء وأتقى الأتقياء وأفضل أهل الأرض والسماء وحبيب ذي العظمة والكبرياء فهو عليه الصلاة والسلام ثمرة الشجرة الإبراهيمية وزهرة رياض الدعوة الخليلية بل هو صلى الله عليه وسلم ثمرة شجرة الوجود ونور حديقة الكرم والجود ونور حدقة كل موجود صلى الله عليه وسلم عليه إلى اليوم المشهود
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن قال
الخواص : ما نخفي من حبك وما نعلن من شكرك .
وقال
ابن عطاء : ما نخفي من الأحوال وما نعلن من الآداب وقيل : ما نخفي من التضرع في عبوديتك وما نعلن من ظاهر طاعتك في شريعتك وأيضا ما نخفي من أسرار معرفتك وما نعلن من وظائف عبادتك وأيضا ما نخفي من حقائق الشوق إليك في قلوبنا وما نعلن في غلبة مواجيدنا بإجراء العبرات وتصعيد الزفرات : .
وارحمتا للعاشقين تكلفوا ستر المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم
وكذا دماء البائحين تباح
وإن همو كتموا تحدث عنهم
عند الوشاة المدمع السحاح
وقال
السيد علي البندنيجي قدس سره : .
كتمت هوى حبيه خوف إذاعة فلله كم صب أضر به الذيع
ولكن بدت آثاره من تأوهي إذا فاح مسك كيف يخفى له ضوع
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء فيعلم ما خفي وما علن
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار قيل : الظالم من تجاوز طوره وتبختر على بساط الأنانية زاعما أنه قد تضلع من ماء زمزم المحبة واستغرق في لجي بحر الفناء توعده الله تعالى بتأخير فضيحته إلى يوم تشخص فيه أبصار سكارى المعرفة والتوحيد وهو يوم الكشف الأكبر حين تبدو أنوار سطوات العزة فيستغرقون في عظمته بحيث لا يقدرون على الالتفات إلى غيره فهناك يتبين الصادق من الكاذب : .
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
وقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=43مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء شرح لأحوال أصحاب الأبصار الشاخصة وهم سكارى المحبة على الحقيقة قال
ابن عطاء في :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=43وأفئدتهم هواء هذه صفة قلوب أهل الحق متعلقة بالله تعالى لا تقر إلا معه سبحانه ولا تسكن إلا إليه وليس فيها محل لغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل طلبوا تدارك ما فات وذلك بتهذيب الباطن والظاهر والانتظام في سلوك الصادقين وهيهات ثم هيهات ثم أجيبوا بما يقصم الظهر ويفصم عرى البصر وهو قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أولم تكونوا أقسمتم من قبل الآية
[ ص: 261 ] nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وذلك عند انكشاف أنوار حقيقة الوجود فيظهر هلاك كل شيء إلا وجهه .
وقيل : الإشارة في الآية إلى تبدل أرض قلوب العارفين من صفات البشرية إلى الصفات الروحانية المقدسة بنور شهود جمال الحق وتبدل سماوات الأرواح من عجز صفات الحدوث وضعفها عن أنوار العظمة بإفاضة الصفات الحقة وقيل : تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس عند الوصول إلى مقام القلب وسماء القلب بسماء السر وكذا تبدل أرض النفس بأرض القلب وسماء السر بسماء الروح وكذا كل مقام يعبره السالك يتبدل ما فوقه وما تحته كتبدل سماء التوكل في توحيد الأفعال بسماء الرضا في توحيد الصفات ثم سماء الرضا بسماء التوحيد عند كشف الذات
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد بسلاسل الشهوات
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سرابيلهم من قطران وهو قطران أعمالهم النتنة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50وتغشى تستر
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50وجوههم النار في جهنم الحرمان وسعير الإذلال والاحتجاب عن رب الأرباب .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب وهم علماء الحقيقة وأساطين المعرفة وعشاق الحضرة وأمناء خزائن المملكة جعلنا الله تعالى وإياكم ممن ذكر فتذكر وتحقق في مقر التوحيد وتقرر بمنه سبحانه وكرمه .
هَذَا ( وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَجْعَلَ سُبْحَانَهُ قَلْبَهُ آمِنًا مِنَ الْفِرَاقِ وَالْحِجَابِ وَقِيلَ : اجْعَلْ بَلَدَ قَلْبِي ذَا أَمْنٍ بِكَ عَنْكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ مِنَ الْمَرْغُوبَاتِ الدَّنِيَّةِ وَالْمُشْتَهَيَاتِ الْحِسِّيَّةِ .
وَقَالَ
جَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَرُدَّنِي إِلَى مُشَاهَدَةِ الْخَلَّةِ وَلَا تَرُدَّ أَوْلَادِي إِلَى مُشَاهَدَةِ النُّبُوَّةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَصْنَامُ الْخَلَّةِ خَطَرَاتُ الْغَفْلَةِ وَلَحَظَاتُ الْمَحَبَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ آمِنًا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فِي كِبَرِهِ وَقَدْ كَسَرَهَا فِي صِغَرِهِ لَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ هَوَى كُلِّ إِنْسَانٍ صَنَمُهُ فَاسْتَعَاذَ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ قُدِّسَ سِرُّهُ : أَيِ امْنَعْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَرَى لِأَنْفُسِنَا وَسِيلَةً إِلَيْكَ غَيْرَ الِافْتِقَارِ وَقِيلَ : كَلَّ مَا وَقَفَ الْعَارِفُ عَلَيْهِ غَيْرَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَهُوَ صَنَمُهُ وَجَاءَ النَّفْسُ هُوَ الصَّنَمُ الْأَكْبَرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِالتَّعَلُّقِ بِهَا وَالِانْجِذَابِ إِلَيْهَا وَالِاحْتِجَابِ بِهَا عَنْكَ سُبْحَانَكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَمَنْ تَبِعَنِي فِي طَرِيقِ الْمُجَاهَدَةِ وَالْخَلَّةِ بِبَذْلِ الرُّوحِ بَيْنَ يَدَيْكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَإِنَّهُ مِنِّي طِينَتُهُ مِنْ طِينَتِي وَقَلْبُهُ مِنْ قَلْبِي وَرُوحُهُ مِنْ رُوحِي وَسِرُّهُ مِنْ سِرِّي وَمَشْرَبُهُ فِي الْخَلَّةِ مِنْ مَشْرَبِي
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36وَمَنْ عَصَانِي وَفَعَلَ مَا يَقْتَضِي الْحِجَابَ عَنْكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَلَا أَدْعُو عَلَيْهِ وَأُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَيْكَ قِيلَ : إِنَّ هَذَا مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُعَاءٌ لِلْعَاصِي بِسَتْرِ ظُلْمَتِهِ بِنُورِهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ جَلَّ شَأْنُهُ إِيَّاهُ بِإِفَاضَةِ الْكَمَالِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ وَمِنْ كَلَامِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
وَفِي أَسْرَارِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36وَمَنْ عَصَانِي إِلَى مَقَامِ الْجَمْعِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ : وَمَنْ عَصَاكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّمَا أَضَافَ عِصْيَانَهُمْ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ عِصْيَانَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَرَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا فَهُمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ مُجِيبُونَ لِدَاعِي أَلْسِنَةِ مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ وَإِرَادَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَسُئِلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ لِمَ لَمْ يَقُلِ الْخَلِيلُ وَمَنْ عَصَاكَ فَقَالَ لِأَنَّهُ عَظَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَلَّهُ مِنْ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ أَحَدًا يَجْتَرِئُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَكَذَا أَجَلَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ أَحَدٌ مَبْلَغَ مَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ عَزَّ شَأْنُهُ مِنْ طَاعَتِهِ حَيْثُ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَمَنْ تَبِعَنِي .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ قِيلَ : إِنَّ مِنْ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَبْتَلِيَ خَلِيلَهُ بِالْعَظَائِمِ لِيَنْزِعَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَمِيعِ الْخَلِيقَةِ لِئَلَّا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ مِنَ الْحِدْثَانِ فَلِذَا أَمَرَ جَلَّ شَأْنُهُ هَذَا
الْخَلِيلَ أَنْ يُسْكِنَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فِي وَادِي الْحَرَمِ بِلَا مَاءٍ وَلَا زَادٍ لِيَنْقَطِعَ إِلَيْهِ وَلَا يَعْتَمِدُ إِلَّا عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَادَاهُ بِاسْمِ الرَّبِّ طَمَعًا فِي تَرْبِيَةِ عِيَالِهِ وَأَهْلِهِ بِأَلْطَافِهِ وَإِيوَائِهِمْ إِلَى جِوَارِ كَرَامَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ الَّتِي يَصِلُ الْعَبْدُ بِهَا إِلَيْكَ وَيَكُونُ مِرْآةَ تَجَلِّيكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ تَمِيلُ بِوَصْفِ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ لِيَسْلُكُوهُمْ إِلَيْكَ وَيَدُلُّوهُمْ عَلَيْكَ قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ مَنِ انْقَطَعَ عَنِ الْخَلْقِ بِالْكُلِّيَّةِ صَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ وُجُوهَ الْخَلْقِ وَجَعَلَ مَوَدَّتَهُ فِي صُدُورِهِمْ وَمَحَبَّتَهُ فِي
[ ص: 260 ] قُلُوبِهِمْ وَذَلِكَ مِنْ دُعَاءِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَطَعَ أَهْلَهُ عَنِ الْخَلْقِ وَالْأَسْبَابِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ قِيلَ : أَيْ ثَمَرَاتُ طَاعَتِكَ وَهِيَ الْمَقَامَاتُ الرَّفِيعَةُ وَالدَّرَجَاتُ الشَّرِيفَةُ .
وَقَالَ
الْوَاسِطِيُّ : ثَمَرَاتُ الْقُلُوبِ وَهِيَ أَنْوَاعُ الْحِكْمَةِ وَرَئِيسُ الْحِكْمَةِ رُؤْيَةُ الْمِنَّةِ وَالْعَجُزُ عَنِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ وَهُوَ الشُّكْرُ الْحَقِيقِيُّ وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُومَ بِشُكْرِكَ وَثَمَرَةُ الْحِكْمَةِ تُزِيلُ الْأَمْرَاضَ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا أَنَّ ثَمَرَةَ الْأَشْجَارِ تُزِيلُ أَمْرَاضَ النُّفُوسِ وَقِيلَ : أَيِ ارْزُقْهُمُ الْأَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءَ وَالصُّلَحَاءَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دَعْوَتِهِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعْنَى لَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا وَأَيُّ الثَّمَرَاتِ أَشْهَى مِنْ أَصْفَى الْأَصْفِيَاءِ وَأَتْقَى الْأَتْقِيَاءِ وَأَفْضَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَحَبِيبِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّةِ وَزَهْرَةُ رِيَاضِ الدَّعْوَةِ الْخَلِيلِيَّةِ بَلْ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَرَةُ شَجَرَةِ الْوُجُودِ وَنُورُ حَدِيقَةِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ وَنُورُ حَدَقَةِ كُلِّ مَوْجُودٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ الْمَشْهُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ قَالَ
الْخَوَاصُّ : مَا نُخْفِي مِنْ حُبِّكَ وَمَا نُعْلِنُ مِنْ شُكْرِكَ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : مَا نُخْفِي مِنَ الْأَحْوَال وَمَا نُعْلِنُ مِنَ الْآدَابِ وَقِيلَ : مَا نُخْفِي مِنَ التَّضَرُّعِ فِي عُبُودِيَّتِكَ وَمَا نُعْلِنُ مِنْ ظَاهِرِ طَاعَتِكَ فِي شَرِيعَتِكَ وَأَيْضًا مَا نُخْفِي مِنْ أَسْرَارِ مَعْرِفَتِكَ وَمَا نُعْلِنُ مِنْ وَظَائِفِ عِبَادَتِكَ وَأَيْضًا مَا نُخْفِي مِنْ حَقَائِقِ الشَّوْقِ إِلَيْكَ فِي قُلُوبِنَا وَمَا نُعْلِنُ فِي غَلَبَةِ مَوَاجِيدِنَا بِإِجْرَاءِ الْعَبَرَاتِ وَتَصْعِيدِ الزَّفَرَاتِ : .
وَارَحْمَتَا لِلْعَاشِقِينَ تَكَلَّفُوا سَتْرَ الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى فَضَّاحُ
بِالسِّرِّ إِنْ بَاحُوا تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ
وَكَذَا دِمَاءُ الْبَائِحِينَ تُبَاحُ
وَإِنْ هُمُو كَتَمُوا تَحَدَّثَ عَنْهُمْ
عِنْدَ الْوُشَاةِ الْمَدْمَعُ السَّحَّاحُ
وَقَالَ
السَّيِّدُ عَلِيٌّ الْبَنْدَنِيجِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ : .
كَتَمْتُ هَوَى حُبَّيْهِ خَوْفَ إِذَاعَةٍ فَلِلَّهِ كَمْ صَبٍّ أَضَرَّ بِهِ الذَّيْعُ
وَلَكِنْ بَدَتْ آثَارُهُ مِنْ تَأَوُّهِي إِذَا فَاحَ مِسْكٌ كَيْفَ يَخْفَى لَهُ ضَوْعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ فَيَعْلَمُ مَا خَفِي وَمَا عَلَنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ قِيلَ : الظَّالِمُ مَنْ تَجَاوَزَ طَوْرَهُ وَتَبَخْتَرَ عَلَى بِسَاطِ الْأَنَانِيَةِ زَاعِمًا أَنَّهُ قَدْ تَضَلَّعَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ الْمَحَبَّةَ وَاسْتَغْرَقَ فِي لُجِّيِّ بَحْرِ الْفَنَاءِ تَوَعَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْخِيرِ فَضِيحَتِهِ إِلَى يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ أَبْصَارُ سَكَارَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّوْحِيدِ وَهُوَ يَوْمُ الْكَشْفِ الْأَكْبَرِ حِينَ تَبْدُو أَنْوَارُ سَطَوَاتِ الْعِزَّةِ فَيَسْتَغْرِقُونَ فِي عَظَمَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ فَهُنَاكَ يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ : .
إِذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=43مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ شَرْحٌ لِأَحْوَالِ أَصْحَابِ الْأَبْصَارِ الشَّاخِصَةِ وَهُمْ سَكَارَى الْمَحَبَّةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=43وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ هَذِهِ صِفَةُ قُلُوبِ أَهْلِ الْحَقِّ مُتَعَلِّقَةً بِاللَّهِ تَعَالَى لَا تَقَرُّ إِلَّا مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَلَا تَسْكُنُ إِلَّا إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَحَلٌّ لِغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ طَلَبُوا تَدَارُكَ مَا فَاتَ وَذَلِكَ بِتَهْذِيبِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَالِانْتِظَامِ فِي سُلُوكِ الصَّادِقِينَ وَهَيْهَاتَ ثُمَّ هَيْهَاتَ ثُمَّ أَجِيبُوا بِمَا يَقْصِمُ الظَّهْرَ وَيَفْصِمُ عُرَى الْبَصَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ
[ ص: 261 ] nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَذَلِكَ عِنْدَ انْكِشَافِ أَنْوَارِ حَقِيقَةِ الْوُجُودِ فَيَظْهَرُ هَلَاكُ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا وَجْهَهُ .
وَقِيلَ : الْإِشَارَةُ فِي الْآيَةِ إِلَى تَبَدُّلِ أَرْضِ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ مِنْ صِفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى الصِّفَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ بِنُورِ شُهُودِ جَمَالِ الْحَقِّ وَتَبَدُّلِ سَمَاوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ عَجْزِ صِفَاتِ الْحُدُوثِ وَضَعْفِهَا عَنْ أَنْوَارِ الْعَظَمَةِ بِإِفَاضَةِ الصِّفَاتِ الْحَقَّةِ وَقِيلَ : تُبَدَّلُ أَرْضُ الطَّبِيعَةِ بِأَرْضِ النَّفْسِ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مَقَامِ الْقَلْبِ وَسَمَاءُ الْقَلْبِ بِسَمَاءِ السِّرِّ وَكَذَا تُبَدَّلُ أَرْضُ النَّفْسِ بَأَرْضِ الْقَلْبِ وَسَمَاءُ السِّرِّ بِسَمَاءِ الرُّوحِ وَكَذَا كُلُّ مَقَامٍ يَعْبُرُهُ السَّالِكُ يَتَبَدَّلُ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ كَتَبَدُّلِ سَمَاءِ التَّوَكُّلِ فِي تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ بِسَمَاءِ الرِّضَا فِي تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ ثُمَّ سَمَاءِ الرِّضَا بِسَمَاءِ التَّوْحِيدِ عِنْدَ كَشْفِ الذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ بِسَلَاسِلِ الشَّهَوَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَهُوَ قَطِرَانُ أَعْمَالِهِمُ النَّتِنَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50وَتَغْشَى تَسْتُرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50وُجُوهَهُمُ النَّارُ فِي جَهَنَّمِ الْحِرْمَانِ وَسَعِيرِ الْإِذْلَالِ وَالِاحْتِجَابِ عَنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ وَهُمْ عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ وَأَسَاطِينُ الْمَعْرِفَةِ وَعُشَّاقُ الْحَضْرَةِ وَأُمَنَاءُ خَزَائِنِ الْمَمْلَكَةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ ذُكِّرَ فَتَذَكَّرَ وَتَحَقَّقَ فِي مَقَرِّ التَّوْحِيدِ وَتَقَرَّرَ بِمَنِّهِ سُبْحَانَهُ وَكَرْمِهِ .