إني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وقال الآخر : .
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي فهو متصرف كيف شاء لا يدفع عن جهة يفتخر بعزة قومه فما ذكره الحبر لازم معناه وقرينته وقوعه في مقابلة مستخف والظاهر من كلام بعضهم أنه حقيقة في الظاهر ورفع سواء على أنه خبر مقدم و ( من ) مبتدأ مؤخر ولم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر وهو الآن بمعنى مستو ولم يجئ تثنيته في أشهر اللغات وحكى أبو زيد هما سواءان و منكم حال من الضمير المستتر فيه لا في ( أسر ) و ( جهر ) لأن ما في حيز الصلة والصفة لا يتقدم على الموصول والموصوف وجوز كون ( سواء ) مبتدأ لوصفه بمنكم وما بعده الخبر وكذا أعرب أبو حيان قول سيبويه العرب : سواء عليه الخير والشر وقول : إن ابن عطية ضعف ذلك [ ص: 111 ] بأنه ابتداء بنكرة لا يصح و ( سارب ) عطف على ( من ) كأنه قيل : سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر سارب والنكتة في زيادة هو في الأول أنه الدال على كمال العلم فناسب زيادة تحقيق وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضا والوجه في تقديم ( أسر ) وإعماله في صريح القول على جهره وإعماله في ضميره وجوز أن يكون على مستخف واستشكل بأن ( سواء ) يقتضي ذكر شيئين فإذا كان ( سارب ) معطوفا على جزء الصلة أو الصفة لا يكون هناك إلا شيء واحد ولا يجيء هذا على الأول لأن المعنى ما علمت وأجيب بأن ( من ) عبارة عن الاثنين كما في قوله : . سيبويه
تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فكأنه قيل : سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار قال في الكشف : وعلى الوجهين ( من ) موصوفة لا موصولة فيحمل الأوليان أيضا على ذلك ليتوافق الكل وإيثارها على الموصولة دلالة على أن المقصود الوصف فإن ذلك متعلق العلم وأما لو قيل : سواء الذي أسر القول والذي جهر به فإن أريد الجنس من باب ولقد أمر على اللئيم يسبني فهو والأول سواء لكن الأول نص وإن أريد المعهود حقيقة أو تقديرا لزم إيهام خلاف المقصود لما مر وقيل : في الكلام موصول محذوف والتقدير ومن هو سارب كقول أبي فراس : .
فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
وقول : . حسان
أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
وهو ضعيف جدا لما فيه من حذف الموصول مع صدر الصلة وقد ادعى أن أحد الحذفين سائغ لكن اجتماعهما منكر من المنكرات بخلاف البيتين وقال الزمخشري : إن حذف من هنا وإن كان للعلم به لا يجوز عند البصريين ويجوز عند الكوفيين وزعم بعضهم أن المقصود استواء الحالتين سواء كانتا لواحد أو لاثنين والمعنى سواء استخفاؤه وسرو به بالنسبة إلى علم الله تعالى فلا حاجة إلى توجيه الآية بما مر وكذا حال ما تقدمه فعبر بأسلوبين والمقصود واحد . أبو حيان
وتعقب بأنه لا تساعده العربية لأن ( من ) لا تكون مصدرية ولا سابك في الكلام وزعم جواز أن تكون الآية متضمنة ثلاثة أصناف فالذي يسر طرف والذي يجهر طرف مضاد للأول والثالث متلون يعصي بالليل مستخفيا ويظهر البراءة بالنهار وهو كما ترى ومن الغريب ما نقل عن ابن عطية الأخفش وقطرب تفسير المستخفي بالظاهر فإنه وإن كان موجودا في كلامهم بهذا المعنى لكن يمنع عنه في الآية ما يمنع ثم إن في بيان علمه تعالى بما ذكر بعد بيان شمول علمه سبحانه الأشياء كلها ما لا يخفى من الاعتناء بذلك .