الله يعلم ما تحمل كل أنثى استئناف جوابا عن سؤال من يقول : لماذا لم يجابوا إلى المقترح فتنقطع حجتهم ولعلهم يهتدون بأن ذلك أمر مدبر ببالغ العلم ونافذ القدرة لا عن الجزاف واتباع آرائهم السخاف وجوز أن يراد بالهادي هو الله تعالى وروي ذلك عن ابن عباس والضحاك فالتنوين فيه للتفخيم والتعظيم وتوجيه الآية على ذلك أنهم لما أنكروا الآيات عنادا لكفرهم الناشئ عن التقليد ولم يتدبروا الآيات قيل : إنما أنت منذر هاد مثبت للأيمان في صدورهم صاد لهم عن جحودهم فإن ذلك إلى الله تعالى وحده وهو سبحانه القادر عليه وعلى هذا قيل : يجوز أن يكون قوله سبحانه : وابن جبير الله خبر مبتدأ محذوف أي هو الله ويكون ذلك تفسيرا لهاد و يعلم جملة مقررة [ ص: 108 ] لاستقلاله تعالى بالهداية كالعلة لذلك ويجوز أن يكون جملة الله يعلم مقررة ويكون من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كأنه هو تعالى يعلم أي ذلك الهادي والأول بعيد جدا وأخرج عن ابن مردويه ابن عباس عن وابن جرير عكرمة وأبي الضحى أن المنذر والهادي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه ذلك بأن هاد عطف على منذر و ( لكل قوم ) متعلق به قدم عليه للفاصلة وفي ذلك دليل على وفيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجار والمجرور والنحويون في جوازه مختلفون وقد يجعل عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وشمول دعوته هاد خبر مبتدأ مقدر أي وهو هاد أو وأنت هاد وعلى الأول فيه التفات وقال : الهادي العمل وقال أبو العالية علي بن عيسى : هو السابق إلى الهدى ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى قال : وهذا يرجع إلى أن الهادي هو النبي لأنه الذي يسبق إلى ذلك وعن أبو حيان أبي صالح أنه القائد إلى الخير أو إلى الشر والكل كما ترى وقالت الشيعة : إنه كرم الله تعالى وجهه ورووا في ذلك أخبارا وذكر ذلك علي منا وأخرج القشيري ابن جرير وابن مردويه والديلمي عن وابن عساكر قال : ابن عباس لما نزلت إنما أنت منذر الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب كرم الله تعالى وجهه فقال : أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي علي وأخرج في زوائد المسند عبد الله بن أحمد وابن أبي حاتم في الأوسط والطبراني وصححه والحاكم أيضا عن وابن عساكر كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية : رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المنذر وأنا الهادي وفي لفظ والهادي رجل من علي بني هاشم يعني نفسه .
واستدل بذلك الشيعة على خلافة كرم الله تعالى وجهه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل وأجيب بأنا لا نسلم صحة الخبر وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند أهل الأثر وليس في الآية دلالة على ما تضمنه بوجه من الوجوه على أن قصارى ما فيه كونه كرم الله تعالى وجهه به يهتدي المهتدون بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك لا يستدعي إلا إثبات مرتبة الإرشاد وهو أمر والخلافة التي نقول بها أمر لا تلازم بينهما عندنا . علي
وقال بعضهم : إن صح الخبر يلزم القول بصحة خلافة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم حيث دل على أنه كرم الله تعالى وجهه على الحق فيما يأتي ويذر وأنه الذي يهتدى به وهو قد بايع أولئك الخلفاء طوعا ومدحهم وأثنى عليهم خيرا ولم يطعن في خلافتهم فينبغي الاقتداء به والجري على سننه في ذلك ودون إثبات خلاف ما أظهر خرط القتاد وقال : إنه صلى الله عليه وسلم على فرض من صحة الرواية إنما جعل أبو حيان كرم الله تعالى وجهه مثالا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين فكأنه عليه الصلاة والسلام قال : يا عليا هذا وصفك فيدخل الخلفاء الثلاث وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بل وسائر علماء الأمة وعليه فيكون معنى الآية إنما أنت منذر ولكل قوم في القديم والحديث إلى ما شاء الله تعالى هداة دعاة إلى الخير . اهـ . وظاهره أنه لم يحمل تقديم المعمول في خبر علي رضي الله تعالى عنهما على الحصر الحقيقي وحينئذ لا مانع من القول بكثرة من يهتدى به ويؤيد عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس أبي بكر وعمر وأخبار أخر متضمنة لإثبات من يهتدى به غير اقتدوا باللذين من بعدي كرم الله تعالى وجهه وأنا أظنك لا تلتفت إلى التأويل ولا تعبأ بما قيل وتكتفي بمنع صحة الخبر وتقول ليس في الآية مما يدل عليه عين ولا أثر هذا و ( ما ) يحتمل أن تكون مصدرية أي يعلم حمل كل أنثى من أي الإناث كانت والحمل على هذا بمعنى المحمول وأن تكون موصولة والعائد محذوف أي [ ص: 109 ] الذي تحمله في بطنها من حين العلوق إلى زمن الولادة بعد تكامل الخلق فقط وجوز أن تكون نكرة موصوفة و علي يعلم قيل متعدية إلى واحد فهي عرفانية ونظر فيه بأن المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله تعالى وهو ناشئ من عدم المعرفة بتحقيق ذلك وقد تقدم وجوز أن تكون استفهامية معلقة ليعلم وهي مبتدأ أو مفعول مقدم والجملة سادة مسد المفعولين أي يعلم أي شيء تحمل وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردة عليه طورا فطورا ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر المتبادر وكما جوز في ( ما ) هذه هذه الأوجه جوزت في بعدها أيضا ووجه مناسبة الآية لما قبلها قد علم مما سبق وقيل : وجهها أنه لما تقدم إنكارهم البعث وكان من شبههم تفرق الأجزاء واختلاط بعضها ببعض بحيث لا يتهيأ الامتياز بينها نبه سبحانه بهذه الآية على إحاطة علمه جل شأنه إزاحة لشبهتهم وقيل : وجهها أنهم لما استعجلوا بالسيئة نبه عز وجل على إحاطة علمه تعالى ليفيد أنه جلت حكمته إنما ينزل العذاب حسبما يعلم من المصلحة والحكمة وفي مصحف ومر ما قيل في نظيره ( ما تحمل كل أنثى وما تضع ) . أبي وما تغيض الأرحام وما تزداد أي ما تنقصه وما تزداده في الجثة كالخديج والتام وروي ذلك عن وفي المدة كالمولود في أقل مدة الحمل والمولود في أكثرها وفيما بينهما وهو رواية أخرى عن ابن عباس قيل : إن الحبر ولد لسنتين وإن الضحاك هرم بن حيان لأربع ومن ذلك سمي هرما وإلى كون أقصى مدة الحمل أربع سنين ذهب وعند الشافعي أقصاها خمس وعند الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أقصاها سنتان وهو المروي عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنها فقد أخرج عائشة عنها لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما تتحرك فلكة مغزل وفي العدد كالواحد فما فوق قيل : ونهاية ما عرف أربعة فإنه يروى أن ابن جرير شريك بن عبد الله بن أبي نمير القرشي كان رابع أربعة وهو الذي وقف عليه إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه وقال عليه الرحمة : أخبرني شيخ الشافعي باليمن أن امرأته ولدت بطونا في كل بطن خمسة وهذا من النوادر وقد اتفق مثله لكن ما زاد على اثنين لضعفه لا يعيش إلا نادرا .
وما يحكى أنه ولد لبعضهم أربعون في بطن واحدة كل منهم مثل الإصبع وأنهم عاشوا كلهم فالظاهر أنه كذب وقيل : المراد نقصان دم الحيض وازدياده وروي ذلك عن جماعة وفيه جعل الدم في الرحم كالماء في الأرض يغيض تارة ويظهر أخرى وغاض جاء متعديا ولازما كنقص وكذا ازداد وهو مما اتفق عليه أهل اللغة فإن جعلتهما لازمين لا يجوز أن تكون ( ما ) موصولة أو موصوفة لعدم العائد وإسناد الفعلين كيفما كانا إلى الأرحام فإنهما على اللزوم لما فيها وعلى التعدي لله جل شأنه وعظم سلطانه وكل شيء من الأشياء عنده سبحانه بمقدار . (8) . بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر فإن كل حادث من الأعراض والجواهر له في كل مرتبة من مراتب التكوين ومباديها وقت معين وحال مخصوص لا يكاد يجاوزه ولعل حال المعدوم معلوم بالدلالة إذا قلنا : إن الشيء هو الموجود و ( عند ) ظرف متعلق بمحذوف وقع صفة لشيء أو لكل و بمقدار خبر ( كل ) وجوز أن يكون الظرف متعلقا بمحذوف وقع حالا من مقدار وهو في الأصل صفة له لكنه لما قدم أعرب حالا وفاء بالقاعدة وأن يكون ظرفا لما يتعلق به الجار والمراد بالعندية الحضور العلمي بل العلم الحضوري على ما قيل فإن تحقق الأشياء في أنفسها في أي مرتبة كانت من مراتب الوجود [ ص: 110 ] والاستعداد لذلك علم بالنسبة إليه تعالى وقيل : معنى ( عنده ) في