ليبك على ملحان ضيف مدفع وأرملة تزجي مع الليل أرملا
وكني بها عن القليل أو الرديء لأنه لعدم الاعتناء يرمى ويطرح قيل : كانت بضاعتهم من متاع الأعراب صوفا وسمنا وقيل : الصنوبر وحبة الخضراء وروي ذلك عن أبي صالح وقيل : سويق المقل والأقط وقيل : قديد وحش وقيل : حبالا وأعدالا وأحقابا وقيل : كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة وروي ذلك عن وزيد بن أسلم رضي الله تعالى عنهما والمروي عن ابن عباس تفسيرها بقليلة لا غير وعلى كل فمزجاة صفة حقيقية للبضاعة وقال الحسن : هي من قولهم : فلان يزجي العيش أي يدفع الزمان بالقليل والمعنى إنا جئنا ببضاعة يدفع بها الزمان وليست مما ينتفع به والتقدير على هذا ببضاعة مزجاة بها الأيام أي تدفع بها ويصبر عليها حتى تنقضي كما قيل : الزجاج
درج الأيام تندرج وبيوت الهم لا تلج
وما ذكر أولا هو الأولى وعن أن مزجاة من لغة العجم وقيل : من لغة الكلبي القبط وتعقب ذلك بأنه لا ينبغي أن يجعل لفظ معروف الاشتقاق والتصريف منسوبا إلى غير لغة ابن الأنباري العرب فالنسبة إلى ذلك مزجاة .
وقرأ حمزة ( مزجية ) بالإمالة لأن أصلها الياء والظاهر أنهم إنما قدموا هذا الكلام ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم ببعث الشفقة وهز العطف والرأفة وتحريك سلسلة الرحمة ثم قالوا : والكسائي فأوف لنا الكيل أي أتممه لنا ولا تنقصه لقلة بضاعتنا أو رداءتها واستدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه وتصدق علينا ظاهره بالإيفاء أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها .
وقال الضحاك إنهم أرادوا تصدق علينا برد أخينا وابن جريج بنيامين على أبيه قيل : وهو الأنسب بحالهم بالنسبة إلى أمر أبيهم وكأنهم أرادوا تفضل علينا بذلك لأن رد الأخ ليس بصدقة حقيقة وقد جاءت الصدقة بمعنى التفضل كما قيل : ومنه تصدق الله تعالى على فلان بكذا وأما قول لمن سمعه يقول : اللهم تصدق علي إن الله تعالى لا يتصدق إنما يتصدق من يبغي الثواب قل : اللهم أعطني أو تفضل علي أو ارحمني فقد رد بقوله صلى الله عليه وسلم : الحسن وأجيب عنه مجازا ومشاكلة وإنما رد صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته على القائل لأنه لم يكن بليغا كما في قصة المتوفى وادعى بعضهم تعين الحمل على المجاز أيضا إذا كان المراد طلب الزيادة على ما يعطى بالثمن بناء على أن حرمة أخذ الصدقة ليست خاصة بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كما ذهب إليه الحسن بل هي عامة له عليه الصلاة والسلام ولمن قبله من الأنبياء عليهم السلام وآلهم كما ذهب إليه البعض والسائلون من إحدى الطائفتين لا محالة وتعقب بأنا لو سلمنا العموم لا نسلم أن المحرم [ ص: 47 ] أخذ الصدقة مطلقا بل المحرم إنما هو أخذ الصدقة المفروضة وما هنا ليس منها والظاهر كما قال سفيان بن عيينة : إنهم تمسكنوا له عليه السلام بقولهم : الزمخشري مسنا .. إلخ وطلبوا إليه أن يتصدق عليهم بقولهم : ( تصدق علينا ) فلو لم يحمل على الظاهر لما طابقه ذلك التمهيد ولا هذا التوطيد أعني إن الله يجزي المتصدقين . (88) . بذكر الله تعالى وجزائه الحاملين على ذلك وإن فاعله منه تعالى بمكان .
قال : وفي العدول عن إن الله تعالى يجزيك بصدقتك إلى ما في النظم الكريم مندوحة عن الكذب فهو من المعاريض فإنهم كانوا يعتقدونه ملكا كافرا وروي مثله عن النقاش ووجه عدم بدئهم بما أمروا به على القول بخلاف الظاهر في متعلق التصدق بأن فيما سلكوه استجلابا للشفقة والرحمة فكأنهم أرادوا أن يملؤوا حياض قلبه من نميرها ليسقوا به أشجار تحسسهم لتثمر لهم غرض أبيهم ووجهه بعضهم بمثل هذا ثم قال : على أن قولهم الضحاك وتصدق .. إلخ كلام ذو وجهين فإنه يحتمل الحمل على المحملين فلعله عليه السلام حمله على طلب الرد ولذلك