ما تعبدون من دونه أي من دون الله تعالى شيئا إلا أسماء أي ألفاظا فارغة لا مطابق لها في الخارج لأن ما ليس فيه مصداق إطلاق الاسم عليه لا وجود له أصلا فكانت عبادتهم لتلك الألفاظ فقط سميتموها جعلوها أسماء أنتم وآباؤكم بمحض الجهل والضلالة ما أنزل الله بها أي بتلك التسمية [ ص: 245 ] المستتبعة للعبادة من سلطان أي حجة تدل على صحتها، وقيل: كانوا يطلقون على معبوداتهم الباطلة اسم الآلهة ويزعمون الدليل على ذلك فردوا بأنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه هذا الاسم عقل ولا نقل ثم أخذتم تعبدون ذلك باعتبار ما تطلقونه عليه، وإنما لم يذكر المسميات تربية لما يقتضيه المقام من إسقاطها عن مرتبة الوجود وإيذانا بأن تسميتهم في البطلان حيث كانت بلا مسمى كعبادتهم حيث كانت بلا معبود، ويلحق بهؤلاء الذين يزعمون أنهم يعبدون الله تعالى وهم يتخيلونه سبحانه جسما عظيما جالسا فوق العرش أو نحو ذلك مما ينزهه العقل والنقل عنه تعالى تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا لأن ما وضع له الاسم الجليل في نفس الأمر ليس هو الذي تخيلوه بل هو أمر وراء ذلك وهو المستحق للعبادة وما وضعوه هم له ليس بإله في نفس الأمر ولا مستحق للعبادة وهو الذي عبدوه فما عبدوا في الحقيقة إلا اسما لا مطابق له في الخارج لأن ما في الخارج أمر وما وضعوا الاسم له أمر آخر إن الحكم أي ما الحكم في شأن العبادة المتفرعة على تلك التسمية وفي صحتها إلا لله عن سلطانه لأنه المستحق لها بالذات -إذ هو الواجب بالذات الموجد للكل والمالك لأمره- أمر ألا تعبدوا أي بأن لا تعبدوا أحدا إلا إياه حسبما يقتضي به قضية العقل أيضا، والجملة استئناف مبني على سؤال ناشئ من الجملة السابقة كأنه قيل: فماذا حكم الله في هذا الشأن؟ فقيل: (أمر) إلخ، وقيل: في موضع التعليل لمحذوف كأنه قيل: حيث لم يكن الحكم في أمر العبادة إلا له فلا تكون العبادة إلا له سبحانه، أو لمن يأمر بعبادته وهو لا يأمر بذلك ولا يجعله لغيره لأنه سبحانه أمر ألا تعبدوا إلا إياه وهو خلاف الظاهر.
وجوز أن يكون سرد هذه الجمل على هذا الطرز لسد الطرق في توجيه صحة عبادة الأصنام عليهم أحكم سد، فإنهم إن قالوا: إن الله تعالى قد أنزل حجة في ذلك ردوا بقوله: ما أنزل الله بها من سلطان وإن قالوا: حكم لنا بذلك كبراؤنا ردوا بقوله: إن الحكم إلا لله وإن قالوا: حيث لم ينزل حجة في ذلك ولم يكن حكم لغيره بقي الأمر موقوفا إذ عدم إنزال حجة تدل على الصحة لا يستلزم إنزال حجة على البطلان ردوا بقوله: أمر ألا تعبدوا إلا إياه ( ذلك أي تخصيصه تعالى بالعبادة الدين القيم الثابت الذي دلت عليه البراهين العقلية والنقلية ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك هو الدين القيم لجهلهم تلك البراهين أو لا يعلمون شيئا أصلا فيعبدون أسماء سموها من عند أنفسهم معرضين عما يقتضيه العقل ويسوق إليه سائق النقل، ومنشأ هذا الإعراض الوقوف عند المألوفات والتقيد بالحسيات وهو مركوز في أكثر الطباع ومن ذلك جاء التشبيه والتجسيم ونسبة الحوادث الكونية إلى الشمس والقمر وسائر الكواكب ونحو ذلك،