ومن باب الإشارة أن يوم الدين تلويح إلى مقام الفناء، لأنه موت النفس عن شهواتها، وخروجها عن جسد تعلقها بالأغيار، والتفاتها، ومن مات فقد قامت قيامته، فعند ذلك يحصل البقاء في جنة الشهود، ويتحقق الجمع في مقام صدق عند المليك المعبود، وفوق هذا مقام آخر لا يفي بتقريره الكلام، ولا تقدر على تحريره الأقلام، بل لا يزيده البيان إلا خفاء، ولا يكسبه التقريب إلا بعدا واعتلاء.
ولو أن ثوبا حيك من نسج تسعة وعشرين حرفا في علاه قصير
اللهم أغرقنا في بحار مشاهدتك، ومن علينا بخندريس وحدتك، حتى لا نحدث إلا عنك، ولا نسمع إلا منك، ولا نرى إلا إياك، هذا وقد ذكر الإمام
السيوطي نقلا عن الشيخ
بهاء الدين أنه قال: اتفقوا على أن فيما نحن فيه التفاتا واحدا، وفيه نظر، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، ومن تابعه على أن الالتفات خلاف الظاهر مطلقا، فإن كان التقدير: قولوا الحمد لله، ففي الكلام المأمور به التفاتان أحدهما في لفظ الجلالة، وأصله الحمد لك، لأنه تعالى حاضر، والثاني في إياك لمجيئه على خلاف أسلوب ما قبله، وإن لم يقدر، كان في الحمد لله التفات من التكلم للغيبة، لأنه تعالى حمد نفسه، ولا يكون في إياك التفات لتقدير: قولوا معها قطعا، فأحد الأمرين لازم
nindex.php?page=showalam&ids=14423للزمخشري والسكاكي ،إما أن يكون في الآية التفاتان أو لا يكون التفات أصلا، هذا إن قلنا برأي
السكاكي كما يشعر به كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف، لأنه جعل في الشعر الذي ذكره ثلاث التفاتات، وإن قلنا برأي الجمهور، ولم نقدر: قولوا إياك نعبد، فإن قدر: قولوا، قبل الحمد لله، كان فيه التفات واحد وبطل قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، إن في البيت ثلاث التفاتات، انتهى، وهو كلام يغني النظر فيه عن شرح حاله، فليفهم.
(البحث الخامس) في سر
nindex.php?page=treesubj&link=28914تكرار إياك، فقيل: للتنصيص على طلب العون منه تعالى، فإنه لو قال سبحانه: إياك نعبد ونستعين، لاحتمل أن يكون إخبارا بطلب المعونة من غير أن يعين ممن يطلب، وقيل: إنه لو اقتصر على واحد ربما توهم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالجمع بينهما، والواقع خلافه، وقيل: إنه جمع بينهما للتأكيد، كما يقال: الدار بين زيد وبين عمرو، وفيه أن التكرير إنما يكون تأكيدا، إذا لم يكن معمولا لفعل ثان، وإياك الثاني في الآية معمول لنستعين مفعول له، فكيف يكون تأكيدا؟ وقيل: إنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة، وعندي أن التكرار للإشعار أن حيثية تعلق العبادة به تعالى غير حيثية تعلق طلب الاستعانة منه سبحانه، ولو قال: إياك نعبد ونستعين لتوهم أن الحيثية واحدة، والشأن ليس كذلك، إذ لا بد في طلب الإعانة من توسط صفة، ولا كذلك في العبادة، فلاختلاف التعلق أعاد المفعول ليشير بها إليه.
(البحث السادس) في
nindex.php?page=treesubj&link=28680سر إطلاق الاستعانة، فقيل: ليتناول كل مستعان فيه، فالحذف هنا مثله في قولهم: فلان يعطي، في الدلالة على العموم، ورجح بلزوم الترجيح بلا مرجح في الحمل على بعض، وأيضا قرينة التقييد خفية، وبأنه المروي عن ترجمان القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وبأن عموم المفعول متضمن لنفي الحول والقوة عن نفسه، والانقطاع بالكلية إليه تعالى عمن سواه، فهو أولى بمقام العبادة، وإلى ترجيحه يشير صنيع العلامة
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي ، وقال صاحب الكشاف : الأحسن أن يراد الاستعانة به، وبتوفيقه على أداء العبادة، ويكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا بيانا للمطلوب من المعونة
[ ص: 91 ] كأنه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم وإنما كان أحسن لتلاؤم الكلام، وأخذ بعضه بحجزة بعض، انتهى، ووجه التخصيص حينئذ كمال احتياج العبادة إلى طلب الإعانة لكونها على خلاف مقتضى النفس
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي والقرينة مقارنة العبادة، ولا خفاء في وضوحها، وكون عموم المفعول متضمنا لما ذكر، معارض بنكتة التخصيص، والرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لعلها لم تثبت، كذا قيل، والإنصاف عندي أن الحمل على العموم أولى ليتوافق ألفاظ هذه السورة الكريمة في المعنى المطلوب منها، ولأن التوسل بالعبادة إلى تحصيل مرام يستوعب جميع ما يصح أن يستعان فيه، ليدخل فيه التوفيق دخولا أوليا أولى من مجرد التوفيق، ويلائمه الصراط المستقيم، فإنه أعم من العبادات، والاعتقادات، والأخلاق، والسياسات، والمعاملات، والمناكحات، وغير ذلك من الأمور الدينية، والنجاة من شدائد القبر والبرزخ والحشر والصراط والميزان ومن عذاب النار والوصول إلى دار القرار، والفوز بالدرجات العلى، وكلها مفتقر إلى إعانة الله تعالى، وفضله، وأيضا طرق الضلالات التي يستعاذ منها بغير المغضوب عليهم، ولا الضالين، لا نهاية لها، وباستعانته يتخلص من مهالكها، وأيضا لا يخفى أن المراد بالعبادة في
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد هي وما يتعلق بها، وما تتوقف عليه، فإذا توافق الاستعانة في العموم، وأيضا قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أنعمت عليهم مطلق شامل كل إنعام، وأيضا لو كان المراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة يبقى حكم الاستعانة في غيرها غير معلوم في أم الكتاب، ولا أظن أحدا يقول: إنه يعلم من هذا التخصيص، فلا أختار أنا إلا العموم، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664810 (إذا استعنت فاستعن بالله)، الحديث، وهو ظاهر فيه، ولعل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه، وهو الظن الغالب، فمن استعان بغيره في المهمات بل وفي غيرها فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، أفلا يستعان به وهو الغني الكبير، أم كيف يطلب من غيره، والكل إليه فقير، وإني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه، وضلة من عقله، فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا، وراموا الثروة من سواه فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا، فلا مستعان إلا به، ولا عون إلا منه.
إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب
وقد قرأ
عبيد بن عمير الليثي، وزيد بن حبيش، nindex.php?page=showalam&ids=17340ويحيى بن وثاب، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي: (نعبد) بكسر النون، وهي لغة
قيس وتميم وأسد وربيعة وهذيل، وكذلك حكم حروف المضارعة في هذا الفعل وما أشبهه، كنستعين، مما لم ينضم ما بعدها فيه سوى الباء لاستثقال الكسرة عليها، على أن بعضهم قال: يجل، بكسر ياء المضارعة من وجل، وقرأ بعضهم يعلمون، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، وابن المتوكل وأبو محلف : (يعبد) بالياء مبنيا للمفعول، وهو غريب، وعن بعض أهل
مكة أنه قرأ: (نعبد) بإسكان الدال، وقرأ الجمهور: (نعبد) بفتح النون وضم الدال، وهي لغة أهل
الحجاز ، وهي الفصحى،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم الهداية دلالة بلطف، لدلالة اشتقاقه، ومادته عليه، ولذا أطلق على المشي برفق تهاد، وسميت الهداية لطفا، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فاهدوهم إلى صراط الجحيم وارد على الصحيح مورد التهكم على حد:
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=24فبشرهم بعذاب أليم ويقال: هداه لكذا، وإلى كذا، فتعديه باللام وإلى إذا لم يكن فيه، وهداه كذا بدونهما محتمل للحالين، حتى لا يجوز في:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا لسبلنا، أو إلى سبلنا، إلا بإرادة الإرادة في جاهدوا، أو إرادة تحصيل المراتب العلية في سبلنا، ومن ثم جمعها، وقد ورد:
(من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم)، وقد يقال: المراد بيان الاستعمال الحقيقي، وأما باب التجوز فواسع، وهل يعتبر في الدلالة الإيصال أم لا؟
[ ص: 92 ] فيه اختلاف المتأخرين من أهل اللسان، ففريق خصها بالدلالة الموصلة، وآخرون بالدلالة على ما يوصل، وقليل قال: إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الإيصال، ولا تسند إلا إليه تعالى، كما في الآية، وإن تعدت باللام أو إلى كانت بمعنى إرادة الطريق، فكما تسند إليه سبحانه تسند إلى القرآن كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وإلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم والكل من هذه الآراء غير خال عن خلل، أما الأول فيرد عليه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى والجواب بجواز وقوعهم في الضلال بالارتداد بعد الوصول إلى الحق، لا يساعده ما في التفاسير والتواريخ، فإنها ناطقة بأن الجم الغفير من قوم
ثمود لم يتصفوا بالإيمان قطعا، وما آمن من قومه إلا قليل، وقد بقوا على إيمانهم، ولم يرتدوا، على أن صاحب الذوق يدرك من نفس الآية خلاف الفرض، كما لا يخفى، وأما الثاني فيرد عليه قوله تعالى لحبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت وما يقال: إنه على حد قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أو أن المعنى أنك لا تتمكن من إراءة الطريق لكل من أحببت، بل إنما يمكنك إراءته لمن أردنا، لا يخلو عن تكلف، وأما الثالث فإن كلام أهل اللغة يساعده، بل ينادي بما ينافيه، ومع ذلك فالقول بأن المتعدية لا تسند إلا إلى الله تعالى منتقض بقوله تعالى حكاية عن
إبراهيم عليه السلام:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا وعن مؤمن آل فرعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=38يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ولهذا الخلل قال طائفة بالاشتراك، والبحث لغوي ولا دخل للاعتزال فيه، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمته، والصراط الطريق، وأصله بالسين من السرط، وهو اللقم، ولذلك يسمى لقما كأن سالكه يبتلعه، أو يبتلع سالكه، ففي
nindex.php?page=showalam&ids=13696الأزهري: أكلته المفازة إذا نهكته لسيره فيها، وأكل المفازة إذا قطعها بسهولة، قال
أبو تمام : رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها وماء المزن ينهل ساكبه
وبالسين على الأصل، قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير برواية
قنبل، ورويس اللؤلؤي عن
يعقوب، وقرأ الجمهور بالصاد، وهي لغة
قريش، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة بإشمام الصاد زايا، والزاي الخالصة لغة
لعذرة وكعب، والصاد عندي أفصح وأوسع، وأهل
الحجاز يؤنثون الصراط كالطريق والسبيل والزقاق والسوق،
وبنو تميم يذكرون هذا كله، وتذكيره هو الأكثر، ويجمع في الكثرة على صرط، ككتاب وكتب، وفي القلة قياسه أصرطة، هذا إذا كان الصراط مذكرا، وأما إذا أنث فقياسه أفعل نحو ذراع وأذرع، و(المستقيم) المستوي الذي لا اعوجاج فيه، واختلف في المراد منه، فقيل: الطريق الحق، وقيل: ملة الإسلام، وقيل: القرآن، وردهما
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرازي ، قدس سره، بأن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم يدل على الصراط المستقيم، وهم المتقدمون من الأمم، وما كان لهم القرآن والإسلام، وفيه ما لا يخفى، والعجب كل العجب من هذا المولى أنه ذكر في أحد الوجوه المرضية عنده أن الصراط المستقيم هو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل الأخلاق، وفي كل الأعمال، وأكد ذلك بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا فيا ليت شعري ماذا يقول لو قيل له: لم يكن هذا للمتقدمين من الأمم، وتلونا عليه الآية التي ذكرها، وسبحان من لا يرد عليه، وقيل: المراد به معرفة ما في كل شيء من كيفية دلالته على الذات والصفات، وقيل: المراد منه صراط الأولين في تحمل المشاق العظيمة لأجل مرضاة الله تعالى، وقيل: العبادة لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم والقرآن يفسر بعضه بعضا، وفيه نظر، وقيل: هو الإعراض عن السوي والإقبال بالكلية على المولى، وقال الشيخ الأكبر قدس سره: وهو ثبوت التوحيد في الجمع والتفرقة، ولهم أقوال غير ذلك قريبة وبعيدة، وعندي بعد الاطلاع على ما للعلماء، كل حزب بما لديهم فرحون ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=30367الصراط المستقيم يتنوع إلى عام للناس، وخاص بخواصهم، والكل منهما صراط المنعم عليهم على اختلاف درجاتهم، فالأول جسر بين العبد وبين الله
[ ص: 93 ] سبحانه، ممدود على متن جهنم، الكفر، والفسق، والجهل، والبدع، والأهواء، وهو الاستقامة على ما ورد به الشرع الشريف القويم علما وعملا وخلقا وحالا، وهو الذي يظهر في الآخرة على متن جهنم الجزاء ممثلا مصورا بالتمثيل الرباني، والتصوير الإلهي على حسب ما عليه العبد اليوم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد دون ذلك، فلا يلومن إلا نفسه، وللتذكير بذلك الصراط لم يقل السبيل، ولا الطريق، وإن كان الكل واحدا، والثاني طريق الوصول إلى الله تعالى، ومن شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز، ومن شهدهم لا حياة لهم فقد جاز، ومن شهدهم عين العدم فقد وصل، وتم سفره إلى الله تعالى، ثم يتجدد له السفر فيه سبحانه، وهو غير متناه، لأن نعوت جماله وجلاله غير متناهية، ولا يزال العبد يرقى من بعضها إلى بعض كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661878 (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة)، وهناك يكون عز شأنه يده وسمعه وبصره، فبه يبطش، وبه يسمع، وبه يبصر، ووراء ذلك ما يحرم كشفه، فمتى قال العامي:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم أراد: أرشدنا إلى الاستقامة على امتثال أوامرك، واجتناب نواهيك، ومتى قال ذلك أحد الخواص أراد: ثبتنا على ما منحتنا به، وهو المروي عن يعسوب المؤمنين كرم الله تعالى وجهه،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي رضي الله تعالى عنه، وذلك لأن طالب هداية الطريق المستقيم ليسلكه، له في سلوكه مقامات وأحوال، ولكل منها بداية ونهاية، ولا يصل إلى النهاية ما لم يصحح البداية، ولا ينتقل إلى مقام أو حال إلا بعد الرسوخ فيما تحته والثبات عليه، فما دام هو في أثناء المقام أو الحال، ولم يصل إلى نهاية يطلب الثبات على ما منح به، ليرسخ له ذلك المقام، ويصير ملكه، فيرقى منه إلى ما فوقه، وذلك هو الفضل الكبير، والفوز العظيم، وللمحققين في معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا وجوه دفعوا بها ما يوشك أن يسأل عنه، من أن المؤمن مهتد، فالدعاء طلب لتحصيل الحاصل أحدها أن معناه: ثبتنا على الدين كيلا تزلزلنا الشبه، وفي القرآن:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=940004 (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)، وثانيها: أعطنا زيادة الهدى، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=17والذين اهتدوا زادهم هدى وثالثها: أن الهداية الثواب كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=9يهديهم ربهم بإيمانهم فالمعنى: اهدنا طريق الجنة ثوابا لنا، وأيد بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43الحمد لله الذي هدانا لهذا ورابعها: أن المراد: دلنا على الحق في مستقبل عمرنا، كما دللتنا عليه في ماضيه، ولهم بعد أيضا كلمات متقاربة غير هذا، ولعله يغنيك عن الكل ما ذكره الفقير، فتدبره، ولا تغفل.
بقي الكلام في ربط هذه الجملة بما قبلها، وقد قيل: إن عندنا احتمالات أربعة، لأن طلب المعونة إما في المهمات كلها، أو في أداء العبادة، والصراط المستقيم إما أن يؤخذ بمعنى خاص كملة الإسلام، أو بمعنى عام كطريق الحق، خلاف الباطل، فعلى تقديري عموم الاستعانة والصراط وخصوصهما، يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة، كأنه قال: كيف أعينكم في المهمات أو في العبادة؟ فقالوا: اهدنا طريق الحق في كل شيء، أو ملة الإسلام، فيكون الفصل لشبه كمال الاتصال، وعلى تقدير عموم الاستعانة وخصوص الصراط يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا إفرادا للمقصود الأعظم من جميع المهمات، فيكون الفصل حينئذ لكمال الاتصال، وأما على تقدير خصوص الاستعانة وعموم الصراط، فلا ارتباط، وما عندي غير خفي عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك، وقد قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي : (صراطا مستقيما) دون تعريف، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق : (صراط المستقيم) بالإضافة، والمتواتر ما تلوناه
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم بدل من الصراط الأول بدل الكل من الكل، وهو الذي يسميه
ابن مالك : البدل الموافق أو المطابق تحاشيا من إطلاق الكل على الله تعالى في مثل: صراط العزيز الحميد الله، وفائدة الإبدال تأكيد النسبة، بناء على أن البدل في حكم تكرير العامل، والإشعار بأن الصراط المستقيم بيانه، وتفسيره: صراط المسلمين، فيكون ذلك شهادة لاستقامة صراطهم على أبلغ وجه وآكده، وقيل: صفة له، ومن غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول، وكأنه نوى فيه حرف
[ ص: 94 ] العطف، وفي تعيين ذلك اختلاف، فعن
جعفر بن محمد : هو العلم بالله والفهم عنه، وقيل: موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة، وقيل: التزام الفرائض والسنن، ولا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم، فلا نتعب جواد القلم فيه، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي (صراط من أنعمت عليهم)، وهو المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وأهل البيت رضي الله تعالى عنهم، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب : وفيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة، (كمن) على الله تعالى، انتهى، وهو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل، والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب ، فلا يقال: أنعم على فرسه، ولذا قيل: إن النعمة نفع الإنسان من دونه لغير عوض، واختلف في هؤلاء المنعم عليهم، فقيل: المؤمنون مطلقا، وقيل: الأنبياء، وقيل: أصحاب
موسى وعيسى عليهما السلام قبل التحريف والنسخ، وقيل: أصحاب
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل:
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم،
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله تعالى عنهما، وقيل: الأولى ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والشهداء والصديقون، ومن أطاع الله تعالى وعبده، وإليه يشير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فما في هاتيك الأقوال اقتصار على بعض الأفراد، ولم يقيد الإنعام ليعم،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقيل: أنعم عليهم بخلقهم للسعادة، وقيل: بأن نجاهم من الهلكة، وقيل: بالهداية، وفي بناء
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أنعمت للفاعل استعطاف، فكأن الداعي يقول: أطلب منك الهداية، إذ سبق إنعامك، فاجعل من إنعامك إجابة دعائنا، وإعطاء سؤالنا، وسبحانه ما أكرمه، كيف يعلمنا الطلب ليجود على كل بما طلب.
لو لم ترد نيل ما نرجو ونطلبه من فيض جودك ما علمتنا الطلبا
وحكى اللغويون في
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عليهم عشر لغات: ضم الهاء، وإسكان الميم، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ، وكسرها وإسكان الميم، وهي قراءة الجمهور، وكسر الهاء والميم وياء بعدها وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، قيل:
وعمر بن خالد، وكذلك بغير ياء، وهي قراءة
عمرو بن فائد، وكسر الهاء وضم الميم بواو بعدها، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير، وقال: وبخلاف عنه، وضم الهاء والميم وواو بعدها، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ومسلم بن جندب وجماعة، وضمهما بغير واو ونسبت
لابن هرمز، وكسر الهاء وضم الميم بغير واو ونسبت
للأعرج والخفاف، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو، وضم الهاء وكسر الميم بياء بعدها، وكذلك بغير ياء، وقرئ بهما أيضا.
وحاصلها ضم الهاء مع سكون الميم أو ضمها بإشباع أو دونه أو كسرها بإشباع أو دونه، وكسر الهاء مع سكون الميم، أو كسرها بإشباع، أو دونه، أو ضمها بإشباع أو دونه، وحجج كل في كتب العربية،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين بدل من
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين بدل كل من كل، وقيل: من ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عليهم ولا يخلو من الركاكة بحسب المعنى، وأما أنه يلزم عليه خلو الصلة عن الضمير فلا، لأن المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة، والقول بأن غير في الأصل صفة بمعنى مغاير، والبدل بالوصف ضعيف ضعيف، لأنها غلبت عليها الاسمية، ولذا لم تجر على موصوف في الأكثر، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنها صفة
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين مبينة أو مقيدة، ولا يرد أن (غير) من الأسماء المتوغلة في الإبهام، فلا تتعرف بالإضافة، فلا توصف بها المعرفة بل ولا تبدل منها على المشهور، لأنا نقول: الموصوف هنا معنى كالنكرة فيصح أن يوصف بها، وذلك لأن الموصول بعد اعتبار تعريفه بالصلة يكون كالمعرف باللام في استعمالاته، فإذا استعمل في بعض ما اتصف بالصلة كان كالمعرف باللام للعهد الذهني، فكما أن المعرف المذكور لكون التعريف فيه للجنس يكون معرفة بالنظر إلى مدلوله، وفي حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البعضية المبهمة، ولذا يعامل به معاملتهما
[ ص: 95 ] كذلك الموصول المذكور بالنظر إلى التعيين الجنسي المستفاد من مفهوم الصلة معرفة، وبالنظر إلى البعضية المستفادة من خارج كالنكرة فيعامل به معاملتهما أيضا، فــ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين أنعمت عليهم إذا لم يقصد به معهود كذلك إذ لا صحة لإرادة جنس المنعم عليهم من حيث هو، إذ لا صراط له، ولا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الاستغراق، سواء أريد استغراق الأفراد والجماعات أو المجموع من حيث المجموع، فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأخروية، أعني طائفة من المؤمنين لا بأعيانها، فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كان كالنكرة، وإن نظر إلى مفهومه الجنسي أعني المنعم عليهم كان معرفة، قاله العلامة
الساليكوتي وغيره، ولا يخلو عن دغدغة، أو يقال وهو المعول عليه عند من يعول عليه أن (غير) هنا معرفة، لأن المحققين من علماء العربية قالوا: إنها قد تتعرف بالإضافة، وذلك إذا وقعت بين متضادين معرفتين نحو: عليك بالحركة غير السكون، وقال
ابن السري وغيره : إذا أضيفت (غير) إلى معرف له ضد واحد فقط تعرفت لانحصار الغيرية، وهنا المنعم عليهم ضد لما بعده، ولا يرد على هذا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل لجواز أن يكون صالحا حالا قدمت على صاحبها، وهو غير الذي، أو غير الذي بدلا من صالحا، ولو قيل: ضد الصالح الطالح، والذي كانوا يعملون فرد من أفراده، فليس بضد، لم يبعد، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (غير) بالنصب، وروي ذلك شاذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، وهو حال من ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عليهم والعامل فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أنعمت ويضعف أن يكون حالا من
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الذين لأنه مضاف إليه، والصراط يصح بنفسه أن يعمل في الحال، وقيل: يجوز، والعامل فيه معنى الإضافة، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش أن يكون النصب على الاستثناء المنقطع أو المتصل إن فسر الإنعام بما يعم، ومنعه
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء لأنه حينئذ بمعنى سوى، فلا يجوز أن يعطف عليه بلا، لأنها نفي وجحد، ولا يعطف الجحد إلا على مثله، وأجيب بزيادة (لا) مثلها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد وفي قول
الأخوص :
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
واعترض بأنه لم تسمع زيادتها بعد واو العطف، والكلام فيه، وحكى بعضهم عن الأخفش أن الاستثناء في معنى النفي، فيجوز العطف عليه بلا حملا على المعنى، فحينئذ لا يرد ما ورد، وعند الخليل النصب بفعل محذوف، أعني أعني، وبه أقول، لأن الاستثناء كما ترى، والحالية تقتضي التنكير، ولا يتحقق إلا بعدم تحقق التضاد أو بجعل
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير بمعنى مغاير، لتكون إضافته لفظية، وكلاهما غير مرضي، لما علمت، وقال بعضهم: في الآية حذف، والتقدير: غير صراط المغضوب عليهم، وهو ممكن على هذه القراءة، فيكون
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير حينئذ إما صفة لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6الصراط وهو ضعيف لتقدم البدل على الوصف إذا قلنا به، والأصل العكس، أو بدل، أو صفة للبدل، أو بدل منه، أو حال من أحد الصراطين، والصراط السوي عدم التقدير.
والغضب أصله الشدة، ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل، والغضوب الحية الخبيثة والناقة العبوس، وفسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام، كما في شرح المفتاح للسعد، وتارة بإرادة الانتقام كما في شرح الكشاف له، وأخرى بكيفية تعرض للنفس فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلبا للانتقام، كما في شرح المقاصد، ويقرب منه ما قيل: تغير يحدث عند غليان دم القلب، وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692003 (اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه)، وفي الكشاف: معنى غضب الله تعالى إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده، وأنا أقول كما قال سلف الأمة: هو صفة لله تعالى لائقة بجلال ذاته، لا أعلم حقيقتها، ولا كيف هي، والعجز عن درك الإدراك إدراك، والكلام فيه كالكلام في الرحمة حذو القذة بالقذة، فهما صفتان قديمتان له سبحانه وتعالى
[ ص: 96 ] وحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687843 (سبقت رحمتي غضبي) محمول على الزيادة في الآثار، أو تقدم ظهورها.
وأصل الضلال الهلاك، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أإذا ضللنا في الأرض أي هلكنا، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وأضل أعمالهم أي أهلكها، والضلال في الدين الذهاب عن الحق، وقرأ
أبو أيوب السختياني : (ولا الضألين) بإبدال الألف همزة فرارا من التقاء الساكنين، مع أنه في مثله جائز، وحكى
أبو زيد : دأبة وشأبة، وعلى هذه اللغة قراءة
عمرو بن عبيد nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقوله :
والأرض أما سودها فتجللت بياضا وأما بيضها فادهأمت
وهل يقاس عليه أم لا؟ قولان، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير أنهما كانا يقرآن: (وغير الضالين)، والمتواتر لا كما في الإمام، وهو سيف خطيب أتى بها لتأكيد ما في غير من معنى النفي، والكوفيون يجعلونها هنا بمعناها، والمراد بالمغضوب عليهم اليهود، وبالضالين النصارى، وقد روى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده، وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم : لا أعلم فيه خلافا للمفسرين، فمن زعم أن الحمل على ذلك ضعيف لأن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى، فكان الاحتراز منهم أولى، بل الأولى أن يحمل
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة، وهم الفساق، ويحمل الضالون على كل من أخطأ في الاعتقاد، لأن اللفظ عام، والتقييد خلاف الأصل، فقد ضل ضلالا بعيدا، إن كان قد بلغه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد تجاسر على تفسير كتاب الله تعالى مع الجهل بأحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما قاله في منكري الصانع لا يعتد به، لأن من لا دين له لا يعتد بذكره، والعجب من الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرازي أنه نقل هذا، ولم يتعقبه بشيء سوى أنه زاد في الشطرنج بغلا، فقال: ويحتمل أن يقال
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم هم الكفار، والضالون هم المنافقون، وعلله بما في أول البقرة من ذكر المؤمنين، ثم الكفار ثم المنافقين، فقاس ما هنا على ما هناك، وهل بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين قول لقائل، أو قياس لقائس هيهات هيهات دون ذلك أهوال، واستدل بعضهم على أن المغضوب عليهم هم اليهود بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعلى أن الضالين النصارى بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا والأولى الاستدلال بالحديث لأن الغضب والضلال وردا جميعا في القرآن لجميع الكفار على العموم، فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا وورد لليهود والنصارى جميعا على الخصوص كما ذكره المستدل، وإنما قدم سبحانه المغضوب عليهم على الضالين مع أن الضلال في بادئ النظر سبب للغضب، إذ يقال: ضل فغضب عليه، لتقدم زمان المغضوب عليهم وهم اليهود على زمان الضالين وهم النصارى، أو لأن الإنعام يقابل بالانتقام ولا يقابل بالضلال، فبينهما تقابل معنوي بناء على أن الأول إيصال الخير إلى المنعم عليه، والثاني إيصال الشر إلى المغضوب عليه، أو لأن اليهود أشد في الكفر والعناد، وأعظم في الخبث والفساد وأشد عداوة للذين آمنوا، ولذا ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وورد في الحديث:
(من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود)، رواه
السلفي nindex.php?page=showalam&ids=16138والديلمي وابن عدي، والنصارى دون ذلك وأقرب للإسلام منهم، ولذا وصفوا بالضلال، لأن الضال قد يهتدي، ومما يدل على أن اليهود أسوأ حالا من النصارى أنهم كفروا بنبيين
محمد صلى الله عليه وسلم
وعيسى عليه السلام، والنصارى كفروا بنبي واحد وهو نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، وفضائحهم وفظائعهم أكثر مما عند النصارى، كما ستقرؤه، وتراه إن شاء الله تعالى، وقول النصارى
[ ص: 97 ] بالتثليث ليس أفظع من قول اليهود
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181إن الله فقير ونحن أغنياء وقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة وقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير ابن الله فمن زعم أن النصارى أسوأ حالا متوكئا على ما في دلائل الأسرار، لم يعرف أسرار الدلائل، وهي بعد العيوق عنه، وليست المسألة من الفروع ليكتفي مثلنا فيها بالتقليد المحض، لا سيما وفضل الله تعالى ليس بمقصور على البعض، وقال بعضهم : تأخير الضالين لموافقة رؤوس الآي، ولا بأس بضمه إلى تلك الوجوه، وإلا فالاقتصار عليه من ضيق العطن، وإنما أسند النعمة إليه تعالى تقربا، والمقصود طلب الهداية إلى صراط من ثبت إنعام الله تعالى عليه، وتحقق، ولذلك أتى بالفعل ماضيا، وانحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأدبا، ولأن من طلب منه الهداية ونسب الإنعام إليه لا يناسب نسبة الغضب إليه، لأنه مقام تلطف، وترفق، وتذلل لطلب الإحسان، فلا يناسب مواجهته بوصف الانتقام.
وقد عد
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في كنز البلاغة والتنوخي في الأقصى للقريب بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله نوعا غريبا من الالتفات، فإن كان الالتفات كما في استعمال الأدباء والمتقدمين بمعنى الافتنان فلا غبار عليه، وإن كان بالمعنى المتعارف، فلك أن تقول على رأي
السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير، بل مخالفة مقتضى الظاهر أن المخاطب إذا ترك خطابه وبنى ما أسند إليه للمفعول، والمحذوف كالغائب فلا مانع من أن يسمى التفاتا، فكما يجري في الانتقال من مقدر إلى محقق يجري في عكسه، وهو معنى بديع كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب ، ويسن بعد الختام أن يقول القارئ: (آمين)، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الدلائل عن أبي ميسرة أن
جبريل أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فلما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7ولا الضالين قال له: قل آمين، فقال: آمين، ويقولها المأموم لقراءة إمامه، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وابن ماجه،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=672750 (إذا قرأ يعني الإمام nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين يحبكم الله)، وإخفاؤها مذهب ساداتنا الحنفية، وهو مذهب أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود، وعند الشافعية يجهر بها، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، لا يقولها الإمام لأنه الداعي، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في رواية غير مشهورة أنه يخفيها، وروى الإخفاء عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
عبد الله بن مغفل nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس رضي الله تعالى عنهما، كما في الكشاف، ورواية الجمهور محمولة على التعليم، والبحث فقهي، وهذا القدر يكفي فيه، وليست من القرآن إجماعا، ولذا سن الفصل بينها وبين السورة بسكتة لطيفة، وما قيل: إنها من السورة عند
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد فمما لا ينبغي أن يلتفت إليه، إذ هو في غاية البطلان، إذ لم يكتب في الإمام، ولا في غيره من المصاحف أصلا، حتى ذكر غير واحد أن من قال : إن آمين من القرآن كفر، وهي اسم فعل مبني على الفتح، كأين لالتقاء الساكنين، والبحث عن أسماء الأفعال مفروغ عنه في كتب النحو، والصحيح أنها كلمة عربية، ومعناها استجب، وقيل: موضوعة لما هو أعم منه، ومن مرادفه، ومن الغريب ما قيل: إنه عجمي معرب: همين، لما أن فاعيل كقابيل ليس من أوزان
العرب، ورد بأنه يكون وزنا لا نظير له، وله نظائر، ولذا قيل: إنه في الأصل مقصور، ووزنه فعيل، فأشبع ومن العجيب ما قيل: إنه اسم الله تعالى، والقول في توجيهه أنه لما كان مشتملا على الضمير المستتر الراجع إليه تعالى قيل: إنه من أسمائه، أعجب منه، وقد تمد ألفه وتقصر، وإلى أصالة كل ذهب طائفة، وأما تشديد ميمه، فذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي أنه لغة فيه، وقيل: إنه جمع آم بمعنى قاصد منصوب بــاجعلنا، ونحوه، مقدرا، وقيل: إنه خطأ، ولحن، وحيث إنه ليس من القرآن بل دعاء ومعناه صحيح قال بعضهم: لا تفسد به الصلاة، وإن كان لحنا، وفضل هذه السورة مما لا يخفى، ويكفي في فضلها ما روي بأسانيد صحيحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=689822أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب فقال: (يا nindex.php?page=showalam&ids=34أبي، وهو يصلي، فالتفت nindex.php?page=showalam&ids=34أبي فلم يجبه فصلى nindex.php?page=showalam&ids=34أبي فخفف، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : [ ص: 98 ] السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك فقال: يا رسول الله، إني كنت في الصلاة، قال: أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟ قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، قال: تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كيف تقرأ في الصلاة، فقرأ بأم القرآن، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما نزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها للسبع من المثاني، أو قال: السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)، والأحاديث في ذلك كثيرة، ولا بدع، فهي أم الكتاب، والحاوية من دقائق الأسرار العجب العجاب، حتى أن بعض الربانيين استخرج منها الحوادث الكونية، وأسماء الملوك الإسلامية، وشرح أحوالهم، وبيان مآلهم، وبالجملة هي كنز العرفان، بل اللوح المحفوظ لما يلوح في عالم الإمكان، (نسأل الله تعالى) أن يمن علينا بإشراق أنوارها، والاطلاع على مخزونات أسرارها، إنه ولي التوفيق، والهادي إلى معالم التحقيق.
وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ أَنَّ يَوْمَ الدِّينِ تَلْوِيحٌ إِلَى مَقَامِ الْفَنَاءِ، لِأَنَّهُ مَوْتُ النَّفْسِ عَنْ شَهَوَاتِهَا، وَخُرُوجُهَا عَنْ جَسَدِ تَعَلُّقِهَا بِالْأَغْيَارِ، وَالْتِفَاتِهَا، وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الْبَقَاءُ فِي جَنَّةِ الشُّهُودِ، وَيَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ فِي مَقَامِ صِدْقٍ عِنْدَ الْمَلِيكِ الْمَعْبُودِ، وَفَوْقَ هَذَا مَقَامٌ آخَرُ لَا يَفِي بِتَقْرِيرِهِ الْكَلَامُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى تَحْرِيرِهِ الْأَقْلَامُ، بَلْ لَا يَزِيدُهُ الْبَيَانُ إِلَّا خَفَاءً، وَلَا يَكْسِبُهُ التَّقْرِيبُ إِلَّا بُعْدًا وَاعْتِلَاءً.
وَلَوْ أَنَّ ثَوْبًا حِيكَ مِنْ نَسْجِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا فِي عُلَاهُ قَصِيرُ
اللَّهُمَّ أَغْرِقْنَا فِي بِحَارِ مُشَاهَدَتِكَ، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِخَنْدَرِيسِ وَحْدَتِكَ، حَتَّى لَا نُحَدِّثَ إِلَّا عَنْكَ، وَلَا نَسْمَعَ إِلَّا مِنْكَ، وَلَا نَرَى إِلَّا إِيَّاكَ، هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ
السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنِ الشَّيْخِ
بَهَاءِ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْتِفَاتًا وَاحِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ ، وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ: قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَفِي الْكَلَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْتِفَاتَانِ أَحَدُهُمَا فِي لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَأَصْلُهُ الْحَمْدُ لَكَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَاضِرٌ، وَالثَّانِي فِي إِيَّاكَ لِمَجِيئِهِ عَلَى خِلَافِ أُسْلُوبِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ، كَانَ فِي الْحَمْدِ لِلَّهِ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ لِلْغَيْبَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَمِدَ نَفْسَهُ، وَلَا يَكُونُ فِي إِيَّاكَ الْتِفَاتٌ لِتَقْدِيرِ: قُولُوا مَعَهَا قَطْعًا، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ
nindex.php?page=showalam&ids=14423لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَالسَّكَّاكِيِّ ،إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ الْتِفَاتَانِ أَوْ لَا يَكُونُ الْتِفَاتٌ أَصْلًا، هَذَا إِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ
السَّكَّاكِيِّ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْكَشَّافِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي الشِّعْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ ثَلَاثَ الْتِفَاتَاتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ نُقَدِّرْ: قُولُوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ، فَإِنْ قُدِّرَ: قُولُوا، قَبْلَ الْحَمْدِ لِلَّهِ، كَانَ فِيهِ الْتِفَاتٌ وَاحِدٌ وَبَطَلَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ ، إِنَّ فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَ الْتِفَاتَاتِ، انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ يُغْنِي النَّظَرُ فِيهِ عَنْ شَرْحِ حَالِهِ، فَلْيُفْهَمْ.
(الْبَحْثُ الْخَامِسُ) فِي سِرِّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914تَكْرَارِ إِيَّاكَ، فَقِيلَ: لِلتَّنْصِيصِ عَلَى طَلَبِ الْعَوْنِ مِنْهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ سُبْحَانَهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَنَسْتَعِينُ، لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا بِطَلَبِ الْمَعُونَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ مِمَّنْ يَطْلُبُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ، كَمَا يُقَالُ: الدَّارُ بَيْنَ زَيْدٍ وَبَيْنَ عَمْرٍو، وَفِيهِ أَنَّ التَّكْرِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ تَأْكِيدًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ ثَانٍ، وَإِيَّاكَ الثَّانِي فِي الْآيَةِ مَعْمُولٌ لِنَسْتَعِينَ مَفْعُولٌ لَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَأْكِيدًا؟ وَقِيلَ: إِنَّهُ تَعْلِيمٌ لَنَا فِي تَجْدِيدِ ذِكْرِهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّكْرَارَ لِلْإِشْعَارِ أَنَّ حَيْثِيَّةَ تَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِهِ تَعَالَى غَيْرُ حَيْثِيَّةِ تَعَلُّقِ طَلَبِ الِاسْتِعَانَةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَنَسْتَعِينُ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالشَّأْنُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إِذْ لَا بُدَّ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ مِنْ تَوَسُّطِ صِفَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْعِبَادَةِ، فَلِاخْتِلَافِ التَّعَلُّقِ أَعَادَ الْمَفْعُولَ لِيُشِيرَ بِهَا إِلَيْهِ.
(الْبَحْثُ السَّادِسُ) فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28680سِرِّ إِطْلَاقِ الِاسْتِعَانَةِ، فَقِيلَ: لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مُسْتَعَانٍ فِيهِ، فَالْحَذْفُ هُنَا مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعْطِي، فِي الدِّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَرَجَحَ بِلُزُومِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ فِي الْحَمْلِ عَلَى بَعْضٍ، وَأَيْضًا قَرِينَةُ التَّقْيِيدِ خَفِيَّةٌ، وَبِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِأَنَّ عُمُومَ الْمَفْعُولِ مُتَضَمِّنٌ لِنَفْيِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالِانْقِطَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَيْهِ تَعَالَى عَمَّنْ سِوَاهُ، فَهُوَ أَوْلَى بِمَقَامِ الْعِبَادَةِ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ يُشِيرُ صَنِيعُ الْعَلَّامَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيِّ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : الْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ، وَبِتَوْفِيقِهِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا بَيَانًا لِلْمَطْلُوبِ مِنَ الْمَعُونَةِ
[ ص: 91 ] كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ أُعِينُكُمْ؟ فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَإِنَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لِتَلَاؤُمِ الْكَلَامِ، وَأَخْذِ بَعْضِهِ بِحُجْزَةِ بَعْضٍ، انْتَهَى، وَوَجْهُ التَّخْصِيصِ حِينَئِذٍ كَمَالُ احْتِيَاجِ الْعِبَادَةِ إِلَى طَلَبِ الْإِعَانَةِ لِكَوْنِهَا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّفْسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي وَالْقَرِينَةُ مُقَارِنَةُ الْعِبَادَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُضُوحِهَا، وَكَوْنُ عُمُومِ الْمَفْعُولِ مُتَضَمِّنًا لِمَا ذُكِرَ، مُعَارَضٌ بِنُكْتَةِ التَّخْصِيصِ، وَالرِّوَايَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَعَلَّهَا لَمْ تَثْبُتْ، كَذَا قِيلَ، وَالْإِنْصَافُ عِنْدِي أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى لِيَتَوَافَقَ أَلْفَاظُ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ التَّوَسُّلَ بِالْعِبَادَةِ إِلَى تَحْصِيلِ مَرَامٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَانَ فِيهِ، لِيَدْخُلَ فِيهِ التَّوْفِيقُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْلَى مِنْ مُجَرَّدِ التَّوْفِيقِ، وَيُلَائِمُهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالسِّيَاسَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَالْمُنَاكَحَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَالنَّجَاةِ مِنْ شَدَائِدِ الْقَبْرِ وَالْبَرْزَخِ وَالْحَشْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَالْوُصُولِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ، وَالْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَكُلُّهَا مُفْتَقِرٌ إِلَى إِعَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفَضْلِهِ، وَأَيْضًا طُرُقُ الضَّلَالَاتِ الَّتِي يُسْتَعَاذُ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلَا الضَّالِّينَ، لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَبِاسْتِعَانَتِهِ يَتَخَلَّصُ مِنْ مَهَالِكِهَا، وَأَيْضًا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ هِيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَإِذًا تُوَافِقُ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْعُمُومِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مُطْلَقٌ شَامِلٌ كُلَّ إِنْعَامٍ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الِاسْتِعَانَةَ بِهِ وَبِتَوْفِيقِهِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ يَبْقَى حُكْمُ الِاسْتِعَانَةِ فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مَعْلُومٍ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ: إِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ، فَلَا أَخْتَارُ أَنَا إِلَّا الْعُمُومَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664810 (إِذَا اسَتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)، الْحَدِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَلَعَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ هُنَا قَالَ بِهِ فِي الْآيَةِ إِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَهُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ، فَمَنِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي الْمُهِمَّاتِ بَلْ وَفِي غَيْرِهَا فَقَدِ اسْتَسْمَنَ ذَا وَرَمٍ، وَنَفَخَ فِي غَيْرِ ضَرَمٍ، أَفَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْكَبِيرُ، أَمْ كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْكُلُّ إِلَيْهِ فَقِيرٌ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ مِنَ الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأْيِهِ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ أُنَاسٍ طَلَبُوا الْعِزَّةَ مِنْ غَيْرِهِ فَذَلُّوا، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاهُ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الِارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا، فَلَا مُسْتَعَانَ إِلَّا بِهِ، وَلَا عَوْنَ إِلَّا مِنْهُ.
إِلَيْكَ وَإِلَّا لَا تُشَدُّ الرَّكَائِبُ وَمِنْكَ وَإِلَّا فَالْمُؤَمِّلُ خَائِبُ
وَفِيكَ وَإِلَّا فَالْغَرَامُ مُضَيَّعٌ وَعَنْكَ وَإِلَّا فَالْمُحَدِّثُ كَاذِبُ
وَقَدْ قَرَأَ
عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ حُبَيْشٍ، nindex.php?page=showalam&ids=17340وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وَالنَّخَعِيُّ: (نَعْبِدُ) بِكَسْرِ النُّونِ، وَهِيَ لُغَةُ
قَيْسٍ وَتَمِيمٍ وَأَسَدٍ وَرَبِيعَةَ وَهُذَيْلٍ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فِي هَذَا الْفِعْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ، كَنَسْتَعِينُ، مِمَّا لَمْ يَنْضَمَّ مَا بَعْدَهَا فِيهِ سِوَى الْبَاءِ لِاسْتِثْقَالِ الْكَسْرَةِ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يِجِلُّ، بِكَسْرِ يَاءِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ وَجِلَ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ يَعْلَمُونَ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ، وَابْنُ الْمُتَوَكِّلِ وَأَبُو مُحَلَّفٍ : (يَعْبُدُ) بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ
مَكَّةَ أَنَّهُ قَرَأَ: (نَعْبُدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: (نَعْبُدُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الدَّالِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ
الْحِجَازِ ، وَهِيَ الْفُصْحَى،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الْهِدَايَةُ دِلَالَةٌ بِلُطْفٍ، لِدِلَالَةِ اشْتِقَاقِهِ، وَمَادَّتِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَشْيِ بِرِفْقٍ تَهَادٍ، وَسُمِّيَتِ الْهِدَايَةُ لُطْفًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَارِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ مَوْرِدَ التَّهَكُّمِ عَلَى حَدِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=24فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَيُقَالُ: هَدَاهُ لِكَذَا، وَإِلَى كَذَا، فَتَعَدِّيهِ بِاللَّامِ وَإِلَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَهَدَاهُ كَذَا بِدُونِهِمَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَالَيْنِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ فِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا لِسُبُلِنَا، أَوْ إِلَى سُبُلِنَا، إِلَّا بِإِرَادَةِ الْإِرَادَةِ فِي جَاهَدُوا، أَوْ إِرَادَةِ تَحْصِيلِ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ فِي سُبُلِنَا، وَمِنْ ثَمَّ جَمَعَهَا، وَقَدْ وَرَدَ:
(مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بَيَانُ الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ، وَأَمَّا بَابُ التَّجَوُّزِ فَوَاسِعٌ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الدِّلَالَةِ الْإِيصَالُ أَمْ لَا؟
[ ص: 92 ] فِيهِ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، فَفَرِيقٌ خَصَّهَا بِالدِّلَالَةِ الْمُوصِلَةِ، وَآخَرُونَ بِالدِّلَالَةِ عَلَى مَا يُوصِلُ، وَقَلِيلٌ قَالَ: إِنْ تَعَدَّتْ إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِنَفْسِهَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْإِيصَالِ، وَلَا تُسْنَدُ إِلَّا إِلَيْهِ تَعَالَى، كَمَا فِي الْآيَةِ، وَإِنْ تَعَدَّتْ بِاللَّامِ أَوْ إِلَى كَانَتْ بِمَعْنَى إِرَادَةِ الطَّرِيقِ، فَكَمَا تُسْنَدُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ تُسْنَدُ إِلَى الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَإِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَالْكُلُّ مِنْ هَذِهِ الْآرَاءِ غَيْرُ خَالٍ عَنْ خَلَلٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى وَالْجَوَابُ بِجَوَازِ وُقُوعِهِمْ فِي الضَّلَالِ بِالِارْتِدَادِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ، لَا يُسَاعِدُهُ مَا فِي التَّفَاسِيرِ وَالتَّوَارِيخِ، فَإِنَّهَا نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الْجَمَّ الْغَفِيرَ مِنْ قَوْمِ
ثَمُودَ لَمْ يَتَّصِفُوا بِالْإِيمَانِ قَطْعًا، وَمَا آمَنَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا قَلِيلٌ، وَقَدْ بَقُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَلَمْ يَرْتَدُّوا، عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الذَّوْقِ يُدْرِكُ مِنْ نَفْسِ الْآيَةِ خِلَافَ الْفَرْضِ، كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لِحَبِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَمَا يُقَالُ: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّكَ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إِرَاءَةِ الطَّرِيقِ لِكُلِّ مَنْ أَحْبَبْتَ، بَلْ إِنَّمَا يُمْكِنُكَ إِرَاءَتُهُ لِمَنْ أَرَدْنَا، لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنَّ كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ يُسَاعِدُهُ، بَلْ يُنَادِي بِمَا يُنَافِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ لَا تُسْنَدُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُنْتَقَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا وَعَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=38يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ وَلِهَذَا الْخَلَلِ قَالَ طَائِفَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ، وَالْبَحْثُ لُغَوِيٌّ وَلَا دَخْلَ لِلِاعْتِزَالِ فِيهِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَتِمَّتُهُ، وَالصِّرَاطُ الطَّرِيقُ، وَأَصْلُهُ بِالسِّينِ مِنَ السَّرْطِ، وَهُوَ اللَّقْمُ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى لَقْمًا كَأَنَّ سَالِكَهُ يَبْتَلِعُهُ، أَوْ يَبْتَلِعُ سَالِكَهُ، فَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=13696الْأَزْهَرِيِّ: أَكَلَتْهُ الْمَفَازَةُ إِذَا نَهِكَتْهُ لِسَيْرِهِ فِيهَا، وَأَكَلَ الْمَفَازَةَ إِذَا قَطَعَهَا بِسُهُولَةٍ، قَالَ
أَبُو تَمَّامٍ : رَعَتْهُ الْفَيَافِي بَعْدَ مَا كَانَ حِقْبَةً رَعَاهَا وَمَاءُ الْمُزْنِ يَنْهَلُ سَاكِبُهُ
وَبِالسِّينِ عَلَى الْأَصْلِ، قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ بِرِوَايَةِ
قُنْبُلَ، وَرُوَيْسٍ اللُّؤْلُؤِيِّ عَنْ
يَعْقُوبَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالصَّادِ، وَهِيَ لُغَةُ
قُرَيْشٍ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةُ بِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا، وَالزَّايُ الْخَالِصَةُ لُغَةٌ
لِعُذْرَةَ وَكَعْبٍ، وَالصَّادُ عِنْدِي أَفْصَحُ وَأَوْسَعُ، وَأَهْلُ
الْحِجَازِ يُؤَنِّثُونَ الصِّرَاطَ كَالطَّرِيقِ وَالسَّبِيلِ وَالزُّقَاقِ وَالسُّوقِ،
وَبَنُو تَمِيمٍ يُذَكِّرُونَ هَذَا كُلَّهُ، وَتَذْكِيرُهُ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى صُرُطٍ، كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَفِي الْقِلَّةِ قِيَاسُهُ أَصْرِطَةٌ، هَذَا إِذَا كَانَ الصِّرَاطُ مُذَكَّرًا، وَأَمَّا إِذَا أُنِّثَ فَقِيَاسُهُ أَفْعُلٌ نَحْوَ ذِرَاعٍ وَأَذْرُعٍ، وَ(الْمُسْتَقِيمُ) الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ، فَقِيلَ: الطَّرِيقُ الْحَقُّ، وَقِيلَ: مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَرَدَّهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرَّازِيُّ ، قُدِّسَ سِرُّهُ، بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُمُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْأُمَمِ، وَمَا كَانَ لَهُمُ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الْمَوْلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَرْضِيَّةِ عِنْدَهُ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي كُلِّ الْأَخْلَاقِ، وَفِي كُلِّ الْأَعْمَالِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ لَوْ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْأُمَمِ، وَتَلَوْنَا عَلَيْهِ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كَيْفِيَّةِ دِلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ صِرَاطُ الْأَوَّلِينَ فِي تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ الْعَظِيمَةِ لِأَجْلِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْعِبَادَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَالْقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ السَّوِيِّ وَالْإِقْبَالُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى الْمَوْلَى، وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ: وَهُوَ ثُبُوتُ التَّوْحِيدِ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِقَةِ، وَلَهُمْ أَقْوَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ قَرِيبَةٌ وَبَعِيدَةٌ، وَعِنْدِي بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا لِلْعُلَمَاءِ، كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30367الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ يَتَنَوَّعُ إِلَى عَامٍّ لِلنَّاسِ، وَخَاصٍّ بِخَوَاصِّهِمْ، وَالْكُلُّ مِنْهُمَا صِرَاطُ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهِمْ، فَالْأَوَّلُ جِسْرٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ
[ ص: 93 ] سُبْحَانَهُ، مَمْدُودٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، الْكُفْرُ، وَالْفِسْقُ، وَالْجَهْلُ، وَالْبِدَعُ، وَالْأَهْوَاءُ، وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ الْقَوِيمُ عِلْمًا وَعَمَلًا وَخُلُقًا وَحَالًا، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ الْجَزَاءُ مُمَثَّلًا مُصَوَّرًا بِالتَّمْثِيلِ الرَّبَّانِيِّ، وَالتَّصْوِيرِ الْإِلَهِيِّ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْيَوْمَ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ دُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلِلتَّذْكِيرِ بِذَلِكَ الصِّرَاطِ لَمْ يَقُلِ السَّبِيلَ، وَلَا الطَّرِيقَ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ وَاحِدًا، وَالثَّانِي طَرِيقُ الْوُصُولِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ شَهِدَ الْخَلْقَ لَا فِعْلَ لَهُمْ فَقَدْ فَازَ، وَمَنْ شَهِدَهُمْ لَا حَيَاةَ لَهُمْ فَقَدْ جَازَ، وَمَنْ شَهِدَهُمْ عَيْنَ الْعَدَمِ فَقَدْ وَصَلَ، وَتَمَّ سَفَرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَتَجَدَّدُ لَهُ السَّفَرُ فِيهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، لِأَنَّ نُعُوتَ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَرْقَى مِنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661878 (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً)، وَهُنَاكَ يَكُونُ عَزَّ شَأْنُهُ يَدَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، فَبِهِ يَبْطِشُ، وَبِهِ يَسْمَعُ، وَبِهِ يُبْصِرُ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ، فَمَتَى قَالَ الْعَامِّيُّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَرَادَ: أَرْشِدْنَا إِلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِكَ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيكَ، وَمَتَّى قَالَ ذَلِكَ أَحَدُ الْخَوَاصِّ أَرَادَ: ثَبِّتْنَا عَلَى مَا مَنَحْتَنَا بِهِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ يَعْسُوبِ الْمُؤْمِنِينَ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ طَالِبَ هِدَايَةِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ لِيَسْلُكَهُ، لَهُ فِي سُلُوكِهِ مَقَامَاتٌ وَأَحْوَالٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، وَلَا يَصِلُ إِلَى النِّهَايَةِ مَا لَمْ يُصَحِّحِ الْبِدَايَةَ، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى مَقَامٍ أَوْ حَالٍ إِلَّا بَعْدَ الرُّسُوخِ فِيمَا تَحْتَهُ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، فَمَا دَامَ هُوَ فِي أَثْنَاءِ الْمَقَامِ أَوِ الْحَالِ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى نِهَايَةٍ يَطْلُبُ الثَّبَاتَ عَلَى مَا مُنِحَ بِهِ، لِيَرْسَخَ لَهُ ذَلِكَ الْمَقَامُ، وَيَصِيرَ مُلْكَهُ، فَيَرْقَى مِنْهُ إِلَى مَا فَوْقَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَلِلْمُحَقِّقِينَ فِي مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا وُجُوهٌ دَفَعُوا بِهَا مَا يُوشِكُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مُهْتَدٍ، فَالدُّعَاءُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَحَدُهَا أَنَّ مَعْنَاهُ: ثَبِّتْنَا عَلَى الدِّينِ كَيْلَا تُزَلْزِلَنَا الشُّبَهُ، وَفِي الْقُرْآنِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=940004 (اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ)، وَثَانِيهَا: أَعْطِنَا زِيَادَةَ الْهُدَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=17وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْهِدَايَةَ الثَّوَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=9يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ فَالْمَعْنَى: اهْدِنَا طَرِيقَ الْجَنَّةِ ثَوَابًا لَنَا، وَأُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ: دُلَّنَا عَلَى الْحَقِّ فِي مُسْتَقْبَلِ عُمْرِنَا، كَمَا دَلَلْتَنَا عَلَيْهِ فِي مَاضِيهِ، وَلَهُمْ بَعْدُ أَيْضًا كَلِمَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ غَيْرُ هَذَا، وَلَعَلَّهُ يُغْنِيكَ عَنِ الْكُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيرُ، فَتَدَبَّرْهُ، وَلَا تَغْفُلْ.
بَقِيَ الْكَلَامُ فِي رَبْطِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عِنْدَنَا احْتِمَالَاتٍ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ طَلَبَ الْمَعُونَةِ إِمَّا فِي الْمُهِمَّاتِ كُلِّهَا، أَوْ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ إِمَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِمَعْنًى خَاصٍّ كَمِلَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ بِمَعْنًى عَامٍّ كَطَرِيقِ الْحَقِّ، خِلَافِ الْبَاطِلِ، فَعَلَى تَقْدِيرِي عُمُومَ الِاسْتِعَانَةِ وَالصِّرَاطِ وَخُصُوصَهُمَا، يَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا بَيَانًا لِلْمَعُونَةِ الْمَطْلُوبَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ أُعِينُكُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ أَوْ فِي الْعِبَادَةِ؟ فَقَالُوا: اهْدِنَا طَرِيقَ الْحَقِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ، فَيَكُونُ الْفَصْلُ لِشِبْهِ كَمَالِ الِاتِّصَالِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عُمُومِ الِاسْتِعَانَةِ وَخُصُوصِ الصِّرَاطِ يَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا إِفْرَادًا لِلْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ مِنْ جَمِيعِ الْمُهِمَّاتِ، فَيَكُونُ الْفَصْلُ حِينَئِذٍ لِكَمَالِ الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ خُصُوصِ الِاسْتِعَانَةِ وَعُمُومِ الصِّرَاطِ، فَلَا ارْتِبَاطَ، وَمَا عِنْدِي غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَيْكَ إِنْ أَحَطْتَ خُبْرًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ لَدَيْكَ، وَقَدْ قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : (صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) دُونَ تَعْرِيفٍ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرٌ الصَّادِقُ : (صِرَاطَ الْمُسْتَقِيمِ) بِالْإِضَافَةِ، وَالْمُتَوَاتِرُ مَا تَلَوْنَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بَدَلٌ مِنَ الصِّرَاطِ الْأَوَّلِ بَدَلُ الْكُلِّ مِنَ الْكُلِّ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ
ابْنُ مَالِكٍ : الْبَدَلَ الْمُوَافِقَ أَوِ الْمُطَابِقَ تَحَاشِيًا مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي مِثْلِ: صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ، وَفَائِدَةُ الْإِبْدَالِ تَأْكِيدُ النِّسْبَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ فِي حُكْمِ تَكْرِيرِ الْعَامِلِ، وَالْإِشْعَارُ بِأَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ بَيَانُهُ، وَتَفْسِيرُهُ: صِرَاطُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شَهَادَةً لِاسْتِقَامَةِ صِرَاطِهِمْ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَآكَدِهِ، وَقِيلَ: صِفَةٌ لَهُ، وَمِنْ غَرِيبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ الصِّرَاطَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ نَوَى فِيهِ حَرْفَ
[ ص: 94 ] الْعَطْفِ، وَفِي تَعْيِينِ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ، فَعَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْفَهْمُ عَنْهُ، وَقِيلَ: مُوَافَقَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ فِي إِسْبَاغِ النِّعْمَةِ، وَقِيلَ: الْتِزَامُ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خُرُوجٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَلَا نُتْعِبُ جَوَادَ الْقَلَمِ فِيهِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ (صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ وَأَهْلِ الْبَيْتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشِّهَابُ : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ، (كَمَنْ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى، وَهُوَ خَبْطٌ ظَاهِرٌ إِذِ الْإِضَافَةُ إِلَى الْمَفْعُولِ لَا الْفَاعِلِ، وَالْإِنْعَامُ إِيصَالُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ مِنَ الْعُقَلَاءِ، كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ ، فَلَا يُقَالُ: أَنْعَمَ عَلَى فَرَسِهِ، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّ النِّعْمَةَ نَفْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ دُونِهِ لِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاخْتُلِفَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، فَقِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ، وَقِيلَ: أَصْحَابُ
مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَبْلَ التَّحْرِيفِ وَالنَّسْخِ، وَقِيلَ: أَصْحَابُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ:
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقِيلَ: الْأَوْلَى مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى وَعَبَدَهُ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فَمَا فِي هَاتِيكَ الْأَقْوَالِ اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَلَمْ يُقَيَّدِ الْإِنْعَامُ لِيَعُمَّ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا وَقِيلَ: أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِخَلْقِهِمْ لِلسَّعَادَةِ، وَقِيلَ: بِأَنْ نَجَّاهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَقِيلَ: بِالْهِدَايَةِ، وَفِي بِنَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أَنْعَمْتَ لِلْفَاعِلِ اسْتِعْطَافٌ، فَكَأَنَّ الدَّاعِيَ يَقُولُ: أَطْلُبُ مِنْكَ الْهِدَايَةَ، إِذْ سَبَقَ إِنْعَامُكَ، فَاجْعَلْ مِنْ إِنْعَامِكَ إِجَابَةَ دُعَائِنَا، وَإِعْطَاءَ سُؤَالِنَا، وَسُبْحَانَهُ مَا أَكْرَمَهُ، كَيْفَ يُعَلِّمُنَا الطَّلَبَ لِيَجُودَ عَلَى كُلٍّ بِمَا طَلَبَ.
لَوْ لَمْ تُرِدْ نَيْلَ مَا نَرْجُو وَنَطْلُبُهُ مِنْ فَيْضِ جُودِكَ مَا عَلَّمْتَنَا الطَّلَبَا
وَحَكَى اللُّغَوِيُّونَ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عَلَيْهِمْ عَشْرَ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْهَاءِ، وَإِسْكَانُ الْمِيمِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةَ ، وَكَسْرُهَا وَإِسْكَانُ الْمِيمِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ، وَكَسْرُ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَيَاءٍ بَعْدَهَا وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ، قِيلَ:
وَعُمَرَ بْنِ خَالِدٍ، وَكَذَلِكَ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ، وَكَسْرُ الْهَاءِ وَضَمُّ الْمِيمِ بِوَاوٍ بَعْدَهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ، وَقَالَ: وَبِخِلَافٍ عَنْهُ، وَضَمُّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَوَاوٌ بَعْدَهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ وَمُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَضَمُّهُمَا بِغَيْرِ وَاوٍ وَنُسِبَتْ
لِابْنِ هُرْمُزَ، وَكَسْرُ الْهَاءِ وَضُمُّ الْمِيمِ بِغَيْرِ وَاوٍ وَنُسِبَتْ
لِلْأَعْرَجِ وَالْخَفَّافِ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرٍو، وَضَمُّ الْهَاءِ وَكَسْرُ الْمِيمِ بِيَاءٍ بَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَقُرِئَ بِهِمَا أَيْضًا.
وَحَاصِلُهَا ضَمُّ الْهَاءِ مَعَ سُكُونِ الْمِيمِ أَوْ ضَمِّهَا بِإِشْبَاعٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ كَسْرُهَا بِإِشْبَاعٍ أَوْ دُونَهُ، وَكَسْرُ الْهَاءِ مَعَ سُكُونِ الْمِيمِ، أَوْ كَسْرُهَا بِإِشْبَاعٍ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ ضَمُّهَا بِإِشْبَاعٍ أَوْ دُونَهُ، وَحُجَجُ كُلٍّ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ بَدَلٌ مِنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الَّذِينَ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وَقِيلَ: مِنْ ضَمِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عَلَيْهِمْ وَلَا يَخْلُو مِنَ الرَّكَاكَةِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُلُوُّ الصِّلَةِ عَنِ الضَّمِيرِ فَلَا، لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ لَيْسَ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ حَقِيقَةً، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ غَيْرَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ بِمَعْنَى مُغَايِرٍ، وَالْبَدَلُ بِالْوَصْفِ ضَعِيفٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا الِاسْمِيَّةُ، وَلِذَا لَمْ تَجْرِ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الْأَكْثَرِ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا صِفَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الَّذِينَ مُبَيِّنَةٌ أَوْ مُقَيِّدَةٌ، وَلَا يُرَدُّ أَنَّ (غَيْرَ) مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَغِّلَةِ فِي الْإِبْهَامِ، فَلَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ، فَلَا تُوصَفُ بِهَا الْمَعْرِفَةُ بَلْ وَلَا تُبْدَلُ مِنْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَوْصُوفُ هُنَا مَعْنًى كَالنَّكِرَةِ فَيَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ بَعْدَ اعْتِبَارِ تَعْرِيفِهِ بِالصِّلَةِ يَكُونُ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ مَا اتَّصَفَ بِالصِّلَةِ كَانَ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، فَكَمَا أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْمَذْكُورَ لِكَوْنِ التَّعْرِيفِ فِيهِ لِلْجِنْسِ يَكُونُ مَعْرِفَةً بِالنَّظَرِ إِلَى مَدْلُولِهِ، وَفِي حُكْمِ النَّكِرَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ، وَلِذَا يُعَامَلُ بِهِ مُعَامَلَتَهُمَا
[ ص: 95 ] كَذَلِكَ الْمَوْصُولَ الْمَذْكُورُ بِالنَّظَرِ إِلَى التَّعْيِينِ الْجِنْسِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ مَفْهُومِ الصِّلَةِ مَعْرِفَةٌ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْبَعْضِيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ خَارِجٍ كَالنَّكِرَةِ فَيُعَامَلُ بِهِ مُعَامَلَتَهُمَا أَيْضًا، فَــ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَعْهُودٌ كَذَلِكَ إِذْ لَا صِحَّةَ لِإِرَادَةِ جِنْسِ الْمُنَعَمِ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إِذْ لَا صِرَاطَ لَهُ، وَلَا غَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِطَلَبِ صِرَاطِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ، سَوَاءٌ أُرِيدَ اسْتِغْرَاقُ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ أَوِ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ، فَالْمَطْلُوبُ صِرَاطُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ الْأُخْرَوِيَّةِ، أَعْنِي طَائِفَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بِأَعْيَانِهَا، فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّرَاطِ إِلَيْهِمْ كَانَ كَالنَّكِرَةِ، وَإِنْ نُظِرَ إِلَى مَفْهُومِهِ الْجِنْسِيِّ أَعْنِي الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَعْرِفَةً، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ
السَّالِيكُوتِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ دَغْدَغَةٍ، أَوْ يُقَالُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يُعَوِّلُ عَلَيْهِ أَنَّ (غَيْرَ) هُنَا مَعْرِفَةٌ، لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ مُعَرَّفَتَيْنِ نَحْوَ: عَلَيْكَ بِالْحَرَكَةِ غَيْرِ السُّكُونِ، وَقَالَ
ابْنُ السَّرِيِّ وَغَيْرُهُ : إِذَا أُضِيفَتْ (غَيْرُ) إِلَى مُعَرَّفٍ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ تَعَرَّفَتْ لِانْحِصَارِ الْغَيْرِيَّةِ، وَهُنَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمْ ضِدٌّ لِمَا بَعْدَهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا حَالًا قُدِّمَتْ عَلَى صَاحِبِهَا، وَهُوَ غَيْرُ الَّذِي، أَوْ غَيْرُ الَّذِي بَدَلًا مِنْ صَالِحًا، وَلَوْ قِيلَ: ضِدُّ الصَّالِحِ الطَّالِحُ، وَالَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَلَيْسَ بِضِدٍّ، لَمْ يَبْعُدْ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: (غَيْرَ) بِالنَّصْبِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ شَاذًّا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7عَلَيْهِمْ وَالْعَامِلُ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7أَنْعَمْتَ وَيَضْعُفُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الَّذِينَ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَالصِّرَاطُ يَصِحُّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ، وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=13673الْأَخْفَشُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ أَوِ الْمُتَّصِلِ إِنْ فُسِّرَ الْإِنْعَامُ بِمَا يَعُمُّ، وَمَنَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى سِوَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ بِلَا، لِأَنَّهَا نَفْيٌ وَجَحْدٌ، وَلَا يُعْطَفُ الْجَحْدُ إِلَّا عَلَى مِثْلِهِ، وَأُجِيبَ بِزِيَادَةِ (لَا) مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ وَفِي قَوْلِ
الْأَخْوَصِ :
وَيُلْحِينَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أُحِبَّهُ وَلِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمْ تُسْمَعْ زِيَادَتُهَا بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ، وَالْكَلَامِ فِيهِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَخْفَشِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، فَيَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهِ بِلَا حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، فَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ مَا وَرَدَ، وَعِنْدَ الْخَلِيلِ النَّصْبُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَعْنِي أَعْنِي، وَبِهِ أَقُولُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا تَرَى، وَالْحَالِيَّةُ تَقْتَضِي التَّنْكِيرَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّضَادِّ أَوْ بِجَعْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ بِمَعْنَى مُغَايِرٍ، لِتَكُونَ إِضَافَتُهُ لَفْظِيَّةً، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ، لِمَا عَلِمْتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْآيَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: غَيْرِ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مُمْكِنٌ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ حِينَئِذٍ إِمَّا صِفَةً لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6الصِّرَاطَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِتَقَدُّمِ الْبَدَلِ عَلَى الْوَصْفِ إِذَا قُلْنَا بِهِ، وَالْأَصْلُ الْعَكْسُ، أَوْ بَدَلٌ، أَوْ صِفَةٌ لِلْبَدَلِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ حَالٌ مِنْ أَحَدِ الصِّرَاطَيْنِ، وَالصِّرَاطُ السَّوِيُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ.
وَالْغَضَبُ أَصْلُهُ الشِّدَّةُ، وَمِنْهُ الْغَضْبَةُ الصَّخْرَةُ الصُّلْبَةُ الشَّدِيدَةُ الْمُرَكَّبَةُ فِي الْجَبَلِ، وَالْغَضُوبُ الْحَيَّةُ الْخَبِيثَةُ وَالنَّاقَةُ الْعَبُوسُ، وَفُسِّرَ تَارَةً بِحَرَكَةٍ لِلنَّفْسِ مَبْدَؤُهَا إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِلسَّعْدِ، وَتَارَةً بِإِرَادَةِ الِانْتِقَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ لَهُ، وَأُخْرَى بِكَيْفِيَّةِ تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ فَيَتْبَعُهَا حَرَكَةُ الرُّوحِ إِلَى خَارِجٍ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قِيلَ: تَغَيُّرٌ يَحْدُثُ عِنْدَ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ، وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692003 (اتَّقُوا الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ تَتَوَقَّدُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ)، وَفِي الْكَشَّافِ: مَعْنَى غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنَ الْعُصَاةِ، وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ، وَأَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا يَفْعَلُهُ الْمَلِكُ إِذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ سَلَفُ الْأُمَّةِ: هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَائِقَةٌ بِجَلَالِ ذَاتِهِ، لَا أَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا، وَلَا كَيْفَ هِيَ، وَالْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إِدْرَاكٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الرَّحْمَةِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، فَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
[ ص: 96 ] وَحَدِيثُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687843 (سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي) مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْآثَارِ، أَوْ تَقَدُّمِ ظُهُورِهَا.
وَأَصْلُ الضَّلَالِ الْهَلَاكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَيْ هَلَكْنَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=8وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَيْ أَهْلَكَهَا، وَالضَّلَالُ فِي الدِّينِ الذَّهَابُ عَنِ الْحَقِّ، وَقَرَأَ
أَبُو أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيُّ : (وَلَا الضَّأْلِينَ) بِإِبْدَالِ الْأَلِفِ هَمْزَةً فِرَارًا مِنِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ فِي مِثْلِهِ جَائِزٌ، وَحَكَى
أَبُو زَيْدٍ : دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ، وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ قِرَاءَةُ
عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ وَقَوْلُهُ :
وَالْأَرْضُ أَمَّا سَوْدُهَا فَتَجَلَّلَتْ بَيَاضًا وَأَمَّا بِيضُهَا فَادْهَأَمَّتْ
وَهَلْ يُقَاسُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ: (وَغَيْرِ الضَّالِّينَ)، وَالْمُتَوَاتِرُ لَا كَمَا فِي الْإِمَامِ، وَهُوَ سَيْفٌ خَطِيبٌ أَتَى بِهَا لِتَأْكِيدِ مَا فِي غَيْرٍ مِنْ مَعْنَى النَّفْيِ، وَالْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَهَا هُنَا بِمَعْنَاهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَبِالضَّالِّينَ النَّصَارَى، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَحَسَّنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْمُفَسِّرِينَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُنْكِرِي الصَّانِعِ وَالْمُشْرِكِينَ أَخْبَثُ دِينًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَكَانَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمْ أَوْلَى، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهُمُ الْفُسَّاقُ، وَيُحْمَلُ الضَّالُّونَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ فِي الِاعْتِقَادِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَالتَّقْيِيدَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا، إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا فَقَدْ تَجَاسَرَ عَلَى تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْجَهْلِ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا قَالَهُ فِي مُنْكِرِي الصَّانِعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، لِأَنَّ مَنْ لَا دِينَ لَهُ لَا يُعْتَدُّ بِذِكْرِهِ، وَالْعَجَبُ مِنَ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرَّازِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ هَذَا، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِشَيْءٍ سِوَى أَنَّهُ زَادَ فِي الشِّطْرَنْجِ بَغْلًا، فَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هُمُ الْكُفَّارُ، وَالضَّالُّونَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَعَلَّلَهُ بِمَا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ الْكُفَّارِ ثُمَّ الْمُنَافِقِينَ، فَقَاسَ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، وَهَلْ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقِ الْأَمِينِ قَوْلٌ لِقَائِلٍ، أَوْ قِيَاسٌ لِقَائِسٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ دُونَ ذَلِكَ أَهْوَالٌ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَلَى أَنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالضَّلَالَ وَرَدَا جَمِيعًا فِي الْقُرْآنِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ عَلَى الْعُمُومِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مَنْ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا وَوَرَدَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا عَلَى الْخُصُوصِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ سُبْحَانَهُ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ عَلَى الضَّالِّينَ مَعَ أَنَّ الضَّلَالَ فِي بَادِئِ النَّظَرِ سَبَبٌ لِلْغَضَبِ، إِذْ يُقَالُ: ضَلَّ فَغَضِبَ عَلَيْهِ، لِتَقَدُّمِ زَمَانِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَهُمُ الْيَهُودُ عَلَى زَمَانِ الضَّالِّينَ وَهُمُ النَّصَارَى، أَوْ لِأَنَّ الْإِنْعَامَ يُقَابَلُ بِالِانْتِقَامِ وَلَا يُقَابَلُ بِالضَّلَالِ، فَبَيْنَهُمَا تَقَابُلٌ مَعْنَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ إِيصَالُ الْخَيْرِ إِلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي إِيصَالُ الشَّرِّ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّ الْيَهُودَ أَشَدُّ فِي الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، وَأَعْظَمُ فِي الْخُبْثِ وَالْفَسَادِ وَأَشَدُّ عَدَاوَةً لِلَّذِينِ آمَنُوا، وَلِذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:
(مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَدَقَةٌ فَلْيَلْعَنِ الْيَهُودَ)، رَوَاهُ
السِّلَفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16138وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالنَّصَارَى دُونَ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ لِلْإِسْلَامِ مِنْهُمْ، وَلِذَا وُصِفُوا بِالضَّلَالِ، لِأَنَّ الضَّالَّ قَدْ يَهْتَدِي، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ النَّصَارَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِنَبِيَّيْنِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالنَّصَارَى كَفَرُوا بِنَبِيٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَضَائِحُهُمْ وَفَظَائِعُهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عِنْدَ النَّصَارَى، كَمَا سَتَقْرَؤُهُ، وَتَرَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُ النَّصَارَى
[ ص: 97 ] بِالتَّثْلِيثِ لَيْسَ أَفْظَعَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ وَقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وَقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّصَارَى أَسْوَأُ حَالًا مُتَوَكِّئًا عَلَى مَا فِي دَلَائِلِ الْأَسْرَارِ، لَمْ يَعْرِفْ أَسْرَارَ الدَّلَائِلِ، وَهِيَ بُعْدُ الْعَيُّوقِ عَنْهُ، وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْفُرُوعِ لِيَكْتَفِيَ مِثْلُنَا فِيهَا بِالتَّقْلِيدِ الْمَحْضِ، لَا سِيَّمَا وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى الْبَعْضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَأْخِيرُ الضَّالِّينَ لِمُوَافَقَةِ رُؤُوسِ الْآيِ، وَلَا بَأْسَ بِضَمِّهِ إِلَى تِلْكَ الْوُجُوهِ، وَإِلَّا فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ النِّعْمَةَ إِلَيْهِ تَعَالَى تَقَرُّبًا، وَالْمَقْصُودُ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِ مَنْ ثَبَتَ إِنْعَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَتَحَقَّقَ، وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْفِعْلِ مَاضِيًا، وَانْحَرَفَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْغَضَبِ إِلَى الْغَيْبَةِ تَأَدُّبًا، وَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَ مِنْهُ الْهِدَايَةَ وَنَسَبَ الْإِنْعَامَ إِلَيْهِ لَا يُنَاسِبُ نِسْبَةَ الْغَضَبِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَقَامُ تَلَطُّفٍ، وَتَرَفُّقٍ، وَتَذَلُّلٍ لِطَلَبِ الْإِحْسَانِ، فَلَا يُنَاسِبُ مُوَاجَهَتَهُ بِوَصْفِ الِانْتِقَامِ.
وَقَدْ عَدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كَنْزِ الْبَلَاغَةِ وَالتَّنُوخِيُّ فِي الْأَقْصَى لِلْقَرِيبِ بِنَاءَ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ خِطَابِ فَاعِلِهِ نَوْعًا غَرِيبًا مِنَ الِالْتِفَاتِ، فَإِنْ كَانَ الِالْتِفَاتُ كَمَا فِي اسْتِعْمَالِ الْأُدَبَاءِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ بِمَعْنَى الِافْتِنَانِ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ، فَلَكَ أَنْ تَقُولَ عَلَى رَأْيِ
السَّكَّاكِيِّ الَّذِي لَا يَشْتَرِطُ تَعَدُّدَ التَّعْبِيرِ، بَلْ مُخَالَفَةُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ إِذَا تَرَكَ خِطَابَهُ وَبَنَى مَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَحْذُوفُ كَالْغَائِبِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُسَمَّى الْتِفَاتًا، فَكَمَا يَجْرِي فِي الِانْتِقَالِ مِنْ مُقَدَّرٍ إِلَى مُحَقَّقٍ يَجْرِي فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَعْنًى بَدِيعٌ كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشِّهَابُ ، وَيُسَنُّ بَعْدَ الْخِتَامِ أَنْ يَقُولَ الْقَارِئُ: (آمِينَ)، فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّ
جِبْرِيلَ أَقْرَأَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7وَلا الضَّالِّينَ قَالَ لَهُ: قُلْ آمِينَ، فَقَالَ: آمِينَ، وَيَقُولُهَا الْمَأْمُومُ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ، nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ، nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=672750 (إِذَا قَرَأَ يَعْنِي الْإِمَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ يُحِبَّكُمُ اللَّهُ)، وَإِخْفَاؤُهَا مَذْهَبُ سَادَاتِنَا الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُجْهَرُ بِهَا، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ، لَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ لِأَنَّهُ الدَّاعِي، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ أَنَّهُ يُخْفِيهَا، وَرَوَى الْإِخْفَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، كَمَا فِي الْكَشَّافِ، وَرِوَايَةُ الْجُمْهُورِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْبَحْثُ فِقْهِيٌّ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِيهِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ إِجْمَاعًا، وَلِذَا سُنَّ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السُّورَةِ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، وَمَا قِيلَ: إِنَّهَا مِنَ السُّورَةِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ، إِذْ هُوَ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ، إِذْ لَمْ يُكْتَبْ فِي الْإِمَامِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَصَاحِفِ أَصْلًا، حَتَّى ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ مَنْ قَالَ : إِنَّ آمِينَ مِنَ الْقُرْآنِ كَفَرَ، وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الْفَتْحِ، كَأَيْنَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَالْبَحْثُ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ مَفْرُوغٌ عَنْهُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، وَمَعْنَاهَا اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَمِنْ مُرَادِفِهِ، وَمِنَ الْغَرِيبِ مَا قِيلَ: إِنَّهُ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبُ: هَمِينَ، لِمَا أَنَّ فَاعِيلَ كَقَابِيلَ لَيْسَ مِنْ أَوْزَانِ
الْعَرَبِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَكُونُ وَزْنًا لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَهُ نَظَائِرُ، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُورٌ، وَوَزْنُهُ فَعِيلٌ، فَأُشْبِعَ وَمِنَ الْعَجِيبِ مَا قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقَوْلُ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ الرَّاجِعِ إِلَيْهِ تَعَالَى قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ، أَعْجَبُ مِنْهُ، وَقَدْ تُمَدُّ أَلِفُهُ وَتَقْصَرُ، وَإِلَى أَصَالَةِ كُلٍّ ذَهَبَ طَائِفَةٌ، وَأَمَّا تَشْدِيدُ مِيمِهِ، فَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15466الْوَاحِدِيُّ أَنَّهُ لُغَةٌ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ جَمْعِ آمٍّ بِمَعْنَى قَاصِدٍ مَنْصُوبٌ بِــاجْعَلْنَا، وَنَحْوِهِ، مُقَدَّرًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ خَطَأٌ، وَلَحْنٌ، وَحَيْثُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ بَلْ دُعَاءٌ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ لَحْنًا، وَفَضْلُ هَذِهِ السُّورَةِ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَيَكْفِي فِي فَضْلِهَا مَا رُوِيَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=689822أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ: (يَا nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَالْتَفَتَ nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٌّ فَلَمْ يُجِبْهُ فَصَلَّى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٌّ فَخَفَّفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : [ ص: 98 ] السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنِ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا نَزَلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا لَلسَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي، أَوْ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ)، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلَا بِدْعَ، فَهِيَ أُمُّ الْكِتَابِ، وَالْحَاوِيَةُ مِنْ دَقَائِقِ الْأَسْرَارِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الرَّبَّانِيِّينَ اسْتَخْرَجَ مِنْهَا الْحَوَادِثَ الْكَوْنِيَّةَ، وَأَسْمَاءَ الْمُلُوكِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَشَرَحَ أَحْوَالَهُمْ، وَبَيَانَ مَآلِهِمْ، وَبِالْجُمْلَةِ هِيَ كَنْزُ الْعِرْفَانِ، بَلِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لِمَا يَلُوحُ فِي عَالَمِ الْإِمْكَانِ، (نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى) أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِإِشْرَاقِ أَنْوَارِهَا، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَخْزُونَاتِ أَسْرَارِهَا، إِنَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ، وَالْهَادِي إِلَى مَعَالِمِ التَّحْقِيقِ.