لا تجزعي إن منفسا أهلكته فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
ومن غريب العربية ما أشار إليه بعضهم أن الآية من باب الاشتغال وقد أقيم اسم الإشارة مقام ضمير المعمول وتوحيده باعتبار ما ذكر ونحوه كما هو شائع فيه ووجه غرابته أن المعروف في شرط الباب اشتغال العامل بضمير المعمول ولم يذكر أحد من النحاة اشتغاله باسم الإشارة إليه وجوز أن يقدر متعلق الجار والمجرور (فليعتنوا)أي بفضل الله ورحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا والقرينة على تقدير ذلك أن ما يفرح به يكون مما يعتنى ويهتم بشأنه أو تقديم الجار والمجرور على ما قيل وقال الدلالة عليه من السياق واضحة وليس شرط الدلالة أن تكون لفظية فقول الحلبي: أبي حيان: إن ذلك إضمار لا دليل عليه مما لا وجه له وأن يقدر جاءتكم بعد قل مدلولا عليه بما قبل أي قل جاءتكم موعظة وشفاء وهدى ورحمة بفضل الله وبرحمته ولا يجوز تعلقه بجاءتكم المذكور لأن قل تمنع من ذلك وذلك على هذا إشارة إلى المصدر المفهوم من [ ص: 141 ] الفعل وهو المجيء أي فبمجيء المذكورات فليفرحوا وتكرير الباء في برحمته على سائر الأوجه للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرح والمراد بالفضل والرحمة إما الجنس ويدخل فيه ما في مجيء القرآن من الفضل والرحمة دخولا أوليا وإما ما في مجيئه من ذلك ويؤيده ما روي عن أن المراد بالفضل والرحمة القرآن مجاهدوأخرج أبو الشيخ عن وابن مردويه قال قال: رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنس فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله . وروي ذلك عن البراء وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما موقوفا وجاء عن جمع جم أن الفضل القرآن والرحمة الإسلام وهو في معنى الحديث المذكور وأخرج عن أبو الشيخ رضي الله تعالى عنهما أن الفضل العلم والرحمة ابن عباس محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأخرج الخطيب عنه تفسير الفضل بالنبي عليه الصلاة والسلام والرحمة وابن عساكر بعلي كرم الله تعالى وجهه والمشهور وصف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين دون الأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان رحمة جليلة رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقيل: المراد بهما الجنة والنجاة من النار . وقيل غير ذلك، ولا يجوز أن يراد بالرحمة على الوجه الأخير من أوجه الإعراب ما أريد بها أولا بل هي في غير الأولى كما لا يخفى وروى رويس عن يعقوب أنه قرأ (فلتفرحوا) بتاء الخطاب ولام الأمر على أصل المخاطب المتروك بناء على القول بأن أصل صيغة الأمر الأمر باللام فحذفت مع تاء المضارعة واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن لا على القول بأنها صيغة أصلية وقد وردت هذه القراءة في حديث صحيح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد أخرجه جماعة منهم أبو داود وأحمد من طرق عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه مرفوعا وقرأ بها أيضا أبي بن كعب ابن عباس وغيرهما وفي تعليقات وقتادة على كشافه كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما آثر القراءة بالأصل لأنه أدل على الأمر بالفرح وأشد تصريحا به إيذانا بأن الفرح بفضل الله تعالى وبرحمته بليغ التوصية به ليطابق التقرير والتكرير وتضمين معنى الشرط، لذلك ونظيره مما انقلب فيه ما ليس بفصيح فصيحا قوله سبحانه: الزمخشري ولم يكن له كفوا أحد من تقديم الظرف اللغو ليكون الغرض اختصاص التوحيد انتهى، وهو مأخوذ من كلام في توجيه ذلك ونقل عن شرح اللب في توجيهه أنه لما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مبعوثا إلى الحاضر والغائب جمع بين اللام والتاء قيل: وكأنه عنى أن الأمر لما كان لجملة المؤمنين حاضرهم وغائبهم غلب الحاضرون في الخطاب على الغائبين وأتي باللام رعاية لأمر الغائبين وهي نكتة بديعة إلا أنه أمر محتمل وما نقل عن صاحب الكشاف أولى بالقبول ابن جني
وقرئ (فافرحوا) وهي تؤيد القراءة السابقة لأنها أمر المخاطب على الأصل وقرئ (فليفرحوا) بكسر اللام هو خير مما يجمعون 58 من الأموال والحرث والأنعام وسائر حطام الدنيا فإنها صائرة إلى الزوال مشرفة عليه وهو راجع إلى لفظ ذلك باعتبار مدلوله وهو مفرد فروعي لفظه وإن كان عبارة عن الفضل والرحمة
ويجوز إرجاع الضمير إليهما ابتداء بتأويل المذكور كما فعل في ذلك أو جعلهما في حكم شيء واحد ولك أن تجعله راجعا إلى المصدر أعني المجيء الذي أشير إليه و (ما) تحتمل الموصولية والمصدرية وقرأ (تجمعون) بالخطاب لمن خوطب ابن عامر يا أيها الناس سواء كان عاما أو خاصا بكفار قريش وضمير فليفرحوا للمؤمنين أي فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعون أيها المخاطبون وعلى قراءة (فلتفرحوا) (وافرحوا) [ ص: 142 ] يكون الخطاب على ما قيل للمؤمنين وجوز أن يكون لهم على قراءة الغيبة أيضا التفاتا وتعقب بأن الجمع أنسب بغيرهم وإن صح وصفهم به في الجملة فلا ينبغي أن يلتزم القول بما يستلزمه ما دام مندوحة عنه